lundi 24 décembre 2012

عبد السلام ياسين الرجل المشروع.

زراعة الألغـام:

تفطن النظام المغربي إلى تفرد طينة الأستاذ عبد السلام ياسين، وخبره مسؤولا كفئا في قطاع التربية والتعليم، وتأكد منذ ولوجه حقل الدعوة أنه نموذج يختلف عما تعامل معهم من دعاة للإصلاح والدمقرطة، فهمة الرجل وإرادته sagiعالية، يدل عليها خطابه قوة وتماسكا وصلابته في الحق. وسواء صحت الروايات القائلة أن المرحوم الحسن الثاني حُذر من محاولة إيذاء الرجل أو لم تصحَّ، فالأكيد من خلال الوقائع وما اتخذ من إجراأت وتدابير: زجه في السجن لمرات، إيداعه في مشفى الأمراض العقلية وقسم الأمراض الصدرية، الحصار، محاكمات الجماعة قيادة وأعضاء، تلفيق تهم القتل والخيانة الزوجية، تسخير أقلام بل وطبع كتب تسفه فكر الجماعة وتصورها، … أن النظام أيقن أنه أمام جماعة جمعت ـ أستغفر الله العظيم ـ جمع الله تعالى لها بين قوة وثبات القيادة، في شخص مرشدها، وبين تماسك التصور وتميزه تأصيلا وشمولية وواقعية ومرونة ومستقبلية، وبين نجاعة النهج التربوي جلته نموذجية الجماعة سلوكا رفيقا وقولا حسنا وتواصلا حكيما وتغلغلا لطيفا.
وعليه، لم “تُبق” الجماعة من خيار لنظام يصر على نهج الاستفراد بالسلطة والثروة غير تلغيم طريقها نيلا من شعبيتها المطردة وتشويشا على مبادئها وثوابتها وعرقلة لأدائها، فـ”أنفق” ـ وما يزال ـ في سبيل ذلك أموالا هائلة من خزينة الشعب، وسخر جنده لعد أنفاس أعضاء الجماعة ورصد أنشطتها في المدن كما في القرى والأرياف والمداشر، ولو امتلك النظام الشجاعة لأفصح للشعب عن كلفة حصار جماعة سلمية مدنية بغيتها وغاية أمانيها أن ينعم المغرب بالحرية والعدالة والكرامة. فما أكثر ما ردد الأستاذ عبد السلام ياسين ـ رحمه الله ـ أن أعضاء الجماعة ليسوا طلاب سلطة أو حكم!

وانقلب السحر على الساحر:

ألغام زرعت في طريق العدل والإحسان عرقلت سيرها ـ ولا شك ـ وشوشت ـ أكيد ـ على حجم تواصلها مع الشعب، لكنها لم تئد صوتها، ولم تحُلْ دون أن تعرف نخبة المجتمع وفضلاؤه وشرائح شعبية واسعة، بل ونخبة من العلماء والمفكرين المعتبرين عربيا وإسلاميا قيمة رجل يعتبر مفخرة للمغرب والعالم الإسلامي ـ على حد تعبير مولاي محمد الخليفة ـ بما قدم وبذل وربى وعلم وقعّد وأسس من تصور تجديدي، ولعل إجماع الرموز الحرة من أهل الدعوة والفكر والسياسة وسائر هيئات المجتمع المدني وطنيا وعربيا وإسلاميا خير دليل على بوار مخطط النظام. “فأما الزبدُ فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال”.
بارت جهود عقود من الحصار والتضييق والتشويش والتلفيق، وبذرت أموال، كان الأجدر أن تنفق محاربة للهشاشة الاجتماعية الحاطة من كرامة الانسان المغربي في أحزمة الفقر وأعالي الجبال، وهدرت جهود أجهزة أمنية، كان الأولى أن توجه لمحاربة الفساد بسيطه ومركبه، فرديّه ومؤسسه، ليبلغ الانحطاط المخزني ذروته ويسمي الجماعة باسمها دفعا للبس وتعدد التأويلات في المذكرات والمراسلات الرسمية، أن عرقلوا وامنعوا انخراط أعضاء العدل والإحسان أو من يشك في تعاطفه معها في الهيئات المدنية، حتى وإن تعلق الأمر بجمعية آباء وأمهات تلاميذ مدرسة في أقصى أعالي الجبال. أي هلع هذا من مشروع سلمي مدني، لا يُكفِّرُ ولا يُبَدِّع ولا يُفَسِّقُ أحدا؟ أم إنه “اليقين” المخزني في صدقية المشروع ونضجه وفاعليته؟
اليوم، وبعد أن لبى الأستاذ المرشد نداء ربه، زالت الحواجز، فانبرى فضلاء وعقلاء المجتمع ليثمنوا عاليا عطاء الرجل، وشموخ الرجل، وصدق الرجل، ونبوغ الرجل، واجتماع ما تفرق عند الغير في الرجل، فجاءت الشهادات تترى تخبر أن وفاة الرجل خسارة للشعب المغربي وللأمة الإسلامية، وينكشف بما لا يدع مجالا للشك من هم أعداء الشعب وخصوم الإصلاح.
ومثلما كانت حياة الأستاذ عبد السلام ياسين شوكة في حلوق الظلمة والاستبداد، جاء موته ليفضح طابور المتآمرين على المصلحة العليا للبلاد والعباد، ويكشف ـ ولو بتلميح لطيف ـ مخططات النيل من الصادقين التواقين للحرية الراجين أن تسود العدالة والكرامة الوطن والعالم أجمع في إطار عمران أخوي.

الكلمة السواء:

من أبلغ الشهادات في حق الأستاذ عبد السلام ياسين ـ رحمه الله وبوأه مقعد الصدق ـ كونه رجل حوار يأْسر مخاطبيه وجلسائه ـ رغم تباين التصورات والمذاهب الفكرية والإيديولوجية ـ ممن عرفوه في غياهب السجون المغربية البئيسة خلال ما يصطلح عليه بسنوات الرصاص بتواضعه وقابليته لتعدد الآراء وسعة صدره وبعد نظره؛ فالرجل يسكنه يقين جازم أن بعد ظلمة العض والجبر فجر قريب للحرية والانعتاق، وأن الاستبداد هو داء الأمة العضال، يكرس الفُرقة ويُعمقها، ويسلط البعض على البعض استخفافا بعقول من لم يشِبّوا بعد عن الطوق.
حوارية هادئة وبناءة صفة رجل يحمل مشروع خلاص للشعب والأمة جمعاء، فحاور الجميع، الماركسي والقومي والأمازيغي والحداثي بحثا عن نقط الالتقاء والتوافق لتأسيس ميثاق وخارطة طريق توحد الأهداف، وتجمع الجهود، وتبني الثقة بين الفرقاء السياسيين، تفاديا لقلاقل وفتن تُسَوَّق دليلا على عدم نجاعة ثورات الربيع العربي لشرعنة الاستبداد من طرف خفي.
ندب الأستاذ عبد السلام ياسين ـ رحمه الله تعالى وأجزل له العطاء ـ لنبذ العنف فكرا وقولا وسلوكا، ولتكريس الحوار والانفتاح آلية للتفاهم وإزالة غبش الأحكام والمواقف المسبقة، فالانسان عدو ما يجهل. لذلك لم يمَلَّ من الدعوة إلى الحوار المباشر ودون قيود أو خطوط حمراء، فعلى قدر الوضوح يكون الصفاء والتفاهم، وفي هذا السياق جاءت دعوات الجماعة المتكررة لحوار وطني إخراجا للبلاد من عنق الزجاجة وتجنيبَ الزج بها في غياهب المجهول.
إن ما جادت به قريحة الفضلاء والعقلاء من شهادات في حق الأستاذ عبد السلام ياسين ـ رحمة الله عليه ـ وبمشروعه التغييري تتطلب أجرأة وترجمة إلى برنامج عمل قد يرشح المغرب ـ حقيقة لا ادعاءً ـ ليكون الاستثناء ويقدم الخيار الثالث في سبيل الإصلاح وإنقاذ البلاد والعباد مما يتهدد دول الجوار. “وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” صدق الله العظيم. والحمد لله رب العالمين.

تازة بريس


عبد السلام ياسين الرجل المشروع.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire