jeudi 27 décembre 2012

العدل والإحسان: من المُرشِدِ العامِّ إلى الأمينِ العامِّ.

توصف جماعة العدل والإحسان منذ نشأتها قبل أربعة وعقود ونيّف بكونها عصية عن التصنيف، فقد حارت في قراءة خطها التحليلات، وظلت التخمينات والتوقعات سيدة الموقف في أية قراءة استشرافية لمسار الجماعة. ومع تقدمsagi الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين في السن تناسلت التكهنات، سواء حول من سيخلفه لقيادة سفينة الجماعة، أو سواء حول طبيعة الخط الذي ستتبناه الجماعة. فمن قائل: إن الجماعة بحكم عمقها التربوي سيتولى أمرها وارث سرّ المرشد طينيا أو روحيا. إلى متوقع أن الجماعة بعد المرشد ستنحو منحى المصالحة مع النظام، إلى مُدَّعٍ أنه ستجري عليها سنن التنظيمات المتصارعة قيادتها على الزعامة، وبالتالي سينفرط عقدها.

وفي الوقت الذي حسب فيه البعض أن وفاة الأستاذ المرشد ـ رحمه الله ـ ستُزيل الكثير من الغبش على اختيارات الجماعة، جاء مجلس شورى الجماعة في دورته الاستثنائية الذي انعقد أيام:9،8،7 صفر الخير1434هـ الموافق لــ:21،22،23 دجنبر 2012 م بسلا، تحت شعار: “دورة الثبات والوفاء” الذي انتخب أمينا عاما للجماعة، واحتفظ بلقب “المرشد” للأستاذ المؤسس عبد السلام ياسين رحمه، ليطرح أسئلة من قبيل: أية مسافة بين عهد المؤسس/المرشد وبين عهد الأمين العام؟ هل ستبقى الجماعة “أسيرة” فكر وتوجه الأستاذ المرشد حيا وميتا أم ستحاول أن تخفف من عبء اختياراته وصلابة مواقفه السياسية على الخصوص؟ وما دلالة اعتبار “المرشد” لقبا حصريا للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله؟

مرحلة التأسيـس:

توضيحا لدواعي وخلفيات قرار مجلس الشورى نقرأ للأستاذ المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله من كتابه الأخير توزيعا “جماعة المسلمين ورابطتُها “، الذي أفرد فيه للقيادة الفصل الرابع ميز فيه ـ رحمه الله ـ بين مرحلتين في سير أي تنظيم أو جماعة إسلامية على الخصوص: مرحلة التأسيس ومرحلة الرشد. يقول: “مرحلة تأسيس الجماعة تُبرِزُ أشخاصا يملكون من خصال الشجاعة في الحق، والدراية بالواجب الشرعي، والغِيرة على مصير الأمة، ما يؤهلهم للقيادة تأهيلا أصيلا. فهم آباء الجماعة وأمهاتها وعن جدارة واستحقاق، ونتيجة لسابقتهم الجهادية تبوَّأوا الصّدارة. هذا ما يسمى في لسان السياسة بالقيادة التاريخية. فمن هذه القيادة التاريخية ما ينفرد فيه شخص ممتاز رباني، كالإمام البنا رحمه الله، بالمبادرة الموفَّقة، ومنها ما يظهر بتآلف رجال دون ذلك أَلْمَعِيَّةً…”.(1)

مرحلة الـرُّشـد والشـورى:

بعد مرحلة التأسيس والبناء تكتسب الجماعة من الرشد والنضج ما يؤهلها لمرحلة الإشعاع والانتقال ـ كما يقال ـ من المؤسس إلى المؤسسة. وفي هذا السياق يقول الأستاذ المرشد ـ ـ بوأه الله مُبوّأ صدق ـ في نفس الفصل من نفس الكتاب: “مرحلة بلوغ الجماعة رُشدها واستقلالها بذاتها تلزِمُ الجماعة أن تختار القيادة من بين الأقران. ذاك أوان الشورى والرجولة. وفي هذه المرحلة تظهر ثمار التربية من تمكن الرجال في أخلاق الصدق، والتعاون، ونبِذِ حبّ الرئاسة، والتنازل عن الرأي الشخصي لتبني رأي الأغلبية…”
ثم يخلص ـ رحمه الله ـ إلى خصائص الجماعة المرجوة ومكوناتها: “إن الجماعة، أو رابطة جماعات متعاونة متعاقدة، القادرة على إبطال الباطل وإحقاق الحق هي الجماعة المكتملة البِنْيَةِ المتينة الارتباط. فإذا مثّلناها بالجسم البشري فعضلاتُها كثرة العدد، وهيكلها العظمي رجال التنظيم ونُقباؤه ـ المسؤولون على الأجهزة ـ والدم الساري فيها المُحيي لها هو الإيمان، وسائرُ الأعضاء الداخلية والحواس هي الأجهزة القيادية، حتى نصل إلى القيادة العليا التي هي بمثابة الرأس المفكر والقلب المحرك…”.(2)

نقطة نظـام:

قد يقول: هذا هو التقديس بعينه. جماعة ظلت مُرتَهَنة لتصور المؤسس عقودا، وتؤصّل للأسْر لفكره ميتا. أليس في هذا تحجير لفكر الجماعة وتكبيل لطاقات أعضائها وهي ما فتئت تفخر بأنها تزخر بكفاأت ذات تخصصات علمية ومهْنية مُعتَبرة في المجتمع؟ أليس في هكذا نزوع إضفاء العِصْمَةِ على اجتهاد الرجل؟
الجواب في تقديري المتواضع: إن ما ذهبت إليه الجماعة من اعتبار “المرشد” لقبا حصريا للأستاذ المؤسس عبد السلام ياسين ـ أسبغ الله عليه من واسع فضله وكرمه ـ ليس بدعا في قاموس التنظيمات، عموم التنظيمات، بل اعتراف بفضل المؤسس وما بذل وضحى لاستواء بناء التنظيم أو الجماعة، وتمييز له بلقب عن غيره من جيل التأسيس، كما هو دأب كل التنظيمات والهيئات، فتسمي أبا روحيا أو زعيما تاريخيا أو قائدا موحدا أو بطلا محررا أو غيره من الألقاب.
لذلك، فاحتفاظ الجماعة بلقب “المرشد” للأستاذ المؤسس الذي اختزل زمنا الجماعة عطاء وبذلا وتضحية وتقعيدا ومواقفَ له ما يبرره، ناهيك عن العلاقة التربوية التي تجعل صفة “المرشد” مشحونة بدلالات كبيرة قد تحدث نوعا من التنازع السلوكي في حالة اعتبارها لقبا تنظيميا كغيره من الصفات التنظيمية.
أما عن التأصيل لهذا الأمر من خلال كتابات الأستاذ المرشد ـ رحمه الله ـ فعلى عكس ما يسعى البعض لاستنتاجه، فهو يبرهن على ما أغدق الله تعالى به على الجماعة في شخص مرشدها من توفيق وبعد نظر، لينير طريقها ويوجهها في أكثر اللحظات حاجة إلى التوجيه، وينبهها ـ لا سيما وقد انتقل إلى جوار ربه ـ إلى أنه مهما كان نبوغ القيادة وألمعيتُها، فالقدوة والنموذج هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون الهداة المهتدون. في هذا السياق يقول ـ رحمه الله ـ محذرا من التقليد وتعطيل الاجتهاد: “وفي مدى حياة المؤسسين لا تكاد تختلف الجماعةُ على أشخاص القيادة. لكن الخطر أن يعتبروا معصومين عن الخطإ، منزهين عن أن يتناولَهم النصح والنقد. والخطر الأكبر أن تغطّيَ شخصيات المؤسسين الأعيُنَ عن الأصل وهو شخصُ القائد النبي صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين من صحابته. فمهما كانت عبقرية القيادة فبذلك المعيار النبوي الراشدي يجب أن تقاس. وكثيرا ما يكون تفوُّق الرجال الأفذاذ حِجابا لمعاصريهم، وخاصة لتلامذتهم وأتباع مدرستهم، عن مصدر كل تشريع، ومنبع كل رشد وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبذلك يقف الاجتهاد ويخُبُّ (يقع) الناسُ في التقليد ويضَعُون. وهو ذاك ضُمورُ العقل، وتراجعُ العزم، وسقـوطُ الهمم…”.(3)
إنه يجب التمييز بين التمسك بنهج أبانت الممارسة صوابه ومواقف أثبتت الأيام صحتها، وبين الانغلاق على رأي أو موقف عجزا عن التجديد والابتكار، وقصورا في المواكبة ومسايرة المستجدات. إن الحق أحق أن يتمسك به، والحق لا يتقادم مهما تلوَّن الباطل وقُدِّم للناس بألوان زاهية وأساليب مُغرية. لذلك، فالجماعة وهي تتمسك بنهج المؤسس إنما تثمّن ما أجمع عليه الفرقاء السياسيون وعقلاء وفضلاء المجتمع في شهاداتهم في حق الأستاذ المرشد غداة وفاته يرحمه الله، فهل تَبخَس القيادة الجديدة للجماعة عطاء الرجل، وإنجاز الرجل، ومواقف الرجل، ونهج الرجل، لتتخلص من “تهمة” الانحباس في اجتهاد بشري تحكمت فيه عوامل ومتغيرات لم يعد لها اليوم اعتبار كما يدعي البعض؟

على سبيل الطمأنة:

1. “الجماعة سائرة إلى خير إن شاء الله…لأنها قائمة على مشروع وليس على شخص ولا على أفراد، فالأستاذ عبد السلام ياسين كان محوريا فهو المؤسس والمنظر والشخصية الكاريزمية كما هو معروف، لكن عملنا داخل الجماعة يقوم على المؤسسات وعلى القوانين والشورى وعلى التداول والإيمان بهذه الأفكار”.(4)
2. “إن مصير الجماعة إن شاء الله هو إلى القوة والرشد والعزة والتمكين، لأن مشروع العدل والإحسان تحمله الجماعة بنواظمها الثلاث: بالحب في الله وبالشورى والنصيحة وبالطاعة..”.(5)
3. وفي ذات السياق، “يؤكد ـ مجلس الشورى باعتبارها أعلى هيئة تقريرية في الجماعة خلال دورته الاستثنائية ـ على التمسك والوفاء للمبادئ التي قامت وتأسست عليها جماعة العدل والإحسان، والسعي الموصول لتكون الجماعة ملاذا سياسيا وأخلاقيا، وعامل استقرار لهذا البلد الكريم، مع الاعتقاد الراسخ أن التغيير مبدأه ومنتهاه الإنسان، مصداقا لقوله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”…”.(6)
4. إن شخصية فذة من عيار الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين ـ أجزل الله له العطاء ـ ما كان ليبني جماعة إمّعات ويُحمِّلها مشروعا تغييريا ضخما، بل إن من صحب الرجل وخبره يتأكد أنه أمام مدرسة في التدريب على تحمل المسؤولية تفويضا للمهام وتحفيزا على المبادرات وتثمينا للتجارب. ” لقد كان ـ رحمه الله ـ يفوض في كثير من صلاحياته بحيث لم يكن يمارس سوى 10 % من صلاحياته…”.(7) فلو لم تُبْنَ الجماعة على مؤسسات قوية وذات صلاحيات تقريرية وتدبيرية، كيف استطاعت أن تدير مرحلة حصار الأستاذ المرشد واعتقال مجلس الإرشاد؟ ألم تسجل الجماعة وقتها أكبر نسبة توسع اضطرها لترفع شعار “التكوين المتكامل والتوسع المُتزن”؟

والحمد لله رب العالمين.

الهـوامش:

1. جماعة المسلمين ورابطتُها للأستاذ عبد السلام ياسين. ص:93
2. نفس المرجع. ص: 94
3. نفس المرجع. ص: 93 وما بعدها.
4. من تصريحات الأستاذ فتح أرسلان نائب الأمين العام والناطق الرسمي باسم الجماعة لهسبريس الثلاثاء 25 دجنبر2012
5. من تصريح الأستاذ محمد عبادي الأمين العام للجماعة خلال الندوة الصحفية بتاريخ: 24 دجنبر2012
6. البيان الختامي لمجلس الشورى في دورته الاستثنائية: دجنبر2012
7. من تصريح الأستاذ فتح أرسلان نائب الأمين العام والناطق الرسمي باسم الجماعة خلال الندوة الصحفية بتاريخ: 24 دجنبر2012


العدل والإحسان: من المُرشِدِ العامِّ إلى الأمينِ العامِّ.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire