dimanche 10 mars 2013

الجفاف ... واقع ﺃم وهم

دخلت القسم ، القيت التحية كالعادة على تلامذتي، سألتهم سؤالي الروتيني عن درس اليوم ، فكانت اﻹجابة الجماعية ” الجغرافيا يا ﺃستاذ ” ، ﻷسال من جديد وهذه المرة بنبرة من الحزم الممزوج بقليل من الجد ، وما هو درسنا لهذا اليوم ، فأجابوا جماعة مرة ﺃخرى ” تنظيم المجال الفلاحي بالمغرب ” يا ﺃستاذ ، انطلق الدرس ، وبدﺃنا وكما هي العادة باﻹكراهات والمشاكل ، ثم قلبت الصفحة ﻷمرﺇلى تربية الماشية ، فوجدت المشاكل ، ثم الصيد البحري فكثير من المشاكل ﺃيضا ، هنا تساءلت سؤالا عريضا ، هل فعلا تعاني فلاحتنا من المشاكل ، ﺃم هي فقط ﺃعذار واهية يكتبها ﺃناس فاشلون همهم اﻷساسي هو تبريرالسياسات دون معرفة مغزاها الحقيقي ، وفي خانة من تصب .


عدت للتساؤل مرة ﺃخرى وبطبيعة الحال مع نفسي دائما ، ﻷنه ومن وجهة نظر

” بيداغوجية ” ، لا ينبغي ﺇشراك التلاميد في هذه التساؤلات ” الخطيرة ” ، هل فعلا يعاني المغرب من الجفاف ، وهل حدة الجفاف بالمغرب كافية لخلق هذه اﻷزمة ، ثم ﺇذا كان كل المغاربة يفتخرون بعبقرية سياسة السدود ، لماذا ما زال المغرب يعاني من الجفاف بالرغم من امتلاكه ﻷكثر من عشرين سدا .


ﺇن ظاهرة الجفاف بالمغرب بالرغم من دوريتها التي ترجع لمئات السنين ، ﺇلا ﺃنها تشكل مشكلا حقيقيا يؤرق الكثيرمن المغاربة ، ﺇذ ﺃن ﺃغلب الدول التي تعاقبت على حكم المغرب عانت من الجفاف ، بل وفي كثيرمن اﻷحيان كان سببا في ﺃغلب المجاعات ، والتي ﺃطلقت الشرارة لمجموعة الثورات التي شهدها البلد آنذاك ، ﺇذن الجفاف ظاهرة ملازمة للمغرب ، ولكن الفرق الموجود حاليا هو ﺃن علم اﻷرصاد الجوية ﺃصبح قادرا على التنبؤ وﺇعطاء نماذج يمكن ﺃن تساهم في التقليل من حدة هذه الكارثة الطبيعية التي تمتد انعكاساتها لما هو اقتصادي و اجتماعي بل وﺃيضا ﺇلى ما هو سياسي ، ﺃظف ﺇلى ذلك طبيعة العلاقات الدولية المتمثلة في الدول والمنظمات الحكومية وغيرالحكومية التي تتكلف بتقديم المساعدة للدول الفقيرة والسائرة في طريق النمو ، الشيء الذي يكرس مزيدا من التبعية لهذه اﻷقطاب بما يخدم ﺃجنداتها على الساحة الدولية .


الملاحظ في هذه الظاهرة الطبيعية التي تشكل عائقا حقيقيا ﺃمام التنمية خصوصا بالمناطق القروية ، هي ﺃنه لا يتعدى مداها في ﺃغلب اﻷحيان الثلاث سنوات ، لنعود من جديد الى اﻷمطار، هنا ﺃعتقد ﺃن مسالة الجفاف بالمغرب ليست ﺇلا وهما يريحنا ويريح المسؤولين من التفكيروالتعب في ﺇيجاد الحلول الحقيقية لمواجهته ، ﺇذ وفي اعتقادي فان سدود المغرب قادرة على تقاسم العبئ مع اﻷمطار،هذا ﺇذا كانت لدينا سياسة زراعية ناجعة و ذات رؤية مستقبلية ، بعيدة عن الشكوى وانتظار ما ستجود به السماء من غيث.


ﺇن الدولة التي تراهن على تجاوز مختلف تحديات القرن الواحد و العشرين، لا ينبغي ﺃن ترهن مستقبلها بزخات المطر، ﺃين هي ﺃدوار وزارة الفلاحة في توعية الفلاحين و ﺇرشادهم ، ﺃين هو العمل الميداني ، لماذا لا تحدد الوزارة ﺃولويات القطاع الفلاحي ، ﺇذ لا يعقل في بلد تتزايد ساكنته بشكل مضطرد ، ﺃن لا يتوفرعلى ﺃمن غذائي و اكتفاء ذاتي في المواد اﻷساسية ، وهنا يتعلق اﻷمر بالحبوب و اللحوم و اﻷلبان ، ﺇن الفلاحة التسويقية كالحوامض واﻷزهاروغيرها لا يمكن باي حال من اﻷحوال ﺃن تساهم في حل مشكلة الغذاء، كما لا يمكن ﺃن تكون مساهمة في اﻹقتصاد الوطني ، ذلك ﺃن هؤلاء المستثمرين والمصدرين لا يدفعون سنتيما واحدا كضريبة على نشاطاتهم اﻹستثمارية الهائلة ، متساوين في ذلك مع صغار الفلاحين المعاشيين الذين يعانون من وطاة الجفاف ، فكل موسم ينتظرون ما ستجود به السماء كما كان يفعل ﺃجدادهم منذ غابراﻷزمان .


ﺇن ﺇصلاح النظام الضريبي الفلاحي كفيل بضخ سيولة هائلة في مزانية الدولة وهوما تتفادى حكومة ” بن كيران ” الحديث عنه خوفا من هروب رؤوس اﻷموال الى الخارج ، ليبقى الحل الوحيد هو ﺇثقال الطبقة الكادحة ومنها الفلاحون بسبب ما ستعرفه اﻷسعار من زيادة بعد” ﺇصلاح ” صندوق المقاصة ، فبالرغم من تطرق البرنامج الحكومي الذي قدم ﺃمام البرلمان والذي ركزعلى ﺇعطاء اﻷمن الغذائي المكانة التي يستحقها، ﺇلا ﺃنه بالمقابل تطرق ﺃيضا ﺇلى برنامج المغرب اﻷخضر ومزيد من العناية و اﻹهتمام بالفلاحة العصرية ، هذا باﻹظافة ﺇلى مجموعة من اﻹجراءات كاﻹهتمام بالعنصر البشري، وكذلك ﺇحداث طرق جديدة لتمويل الفلاحين وغيرها من البنود التي لاتزال مجرد ﺇجراءات تتطلب مجهودات جبارة لتحقيقها ، والتي غالبا ما ستبقى حبرا على ورق، هذا دون الحديث ولو اﻹشارة في هذا البرنامج ﺇلى مسالة ﺇصلاح النظام الضريبي الفلاحي ، وهو ما ينفي ﺃية نية حقيقية للاصلاح ، ﻷن جل ما جاء به هو فقط عموميات ﺃقرب ﺇلى اﻹنشاء منه ﺇلى برنامج يخص ملايين المغاربة .


ﺇن ﺇصلاح المجال الفلاحي هوعملية لا تتطلب العصا السحرية ، فاذا عدنا ﺇلى الحقبة اﻹستعمارية ، سنصدم من هول ما قامت به فرنسا من استغلال ﺇستعماري ﻷغلب وﺃخصب اﻷراضي الفلاحية والتي ﺃخرجت منها الذهب لصالح المتروبول الفرنسي ، لنعود في النهاية ونقول بان مشكلتنا ليست السماء ﺃو اﻷرض، بل المشكلة اﻷساسية تكمن في عقولنا و سواعدنا ، ﺇن طبقتنا السياسية عوض ﺃن تستلهم التجارب الدولية للامم التي عرفت كيف تنتج غذاءها ، كالهند و البرازيل وغيرها، ﺃصبحت مفلحة فقط في التهريج بالبرلمان، والتفنن في التنابز باﻷلقاب والتعويم ، وفي ﺇعتقادي فان تردي هذا الخطاب السياسي والتخبط الذي تعرفه مختلف القطاعات اﻹقتصادية سواء القطاع اﻷول اوالثاني راجع بالاساس الى تهميش القدرات وعدم الاستعانة باﻷطروالباحثين الزراعين وغيرهم ، ﺇذ كلنا نلاحظ كيف ﺃن دواوين الوزراء ﺃصبحت مليئة بزملاء الحزب ، وكان الوزارة سفينة سيدنا نوح ، من صعدها يستدعي طائفته للركوب ناسية و متناسية ﺃن دورها اﻷساسي هو خدمة هذا الشعب الذي منحها الثقة .


ﺇن تربية الناشئة على النظر ﺇلى المشاكل فقط دون حلول ، كفيل بخلق جيل من اﻹحباط و التذمر ، فعلى سبيل المثال لا الحصر فهذا الدرس الذي تحدثنا عنه يعطي لنا فقط المشاكل و اﻹكراهات ، فمن وضعوا هذا المقررلم يكلفوا نفسهم عناء تقديم الحلول لخلق اﻷمل ، اﻷمل في المستقبل بالنسبة لهذه اﻷجيال التي ستحمل المشعل، فهذف المدرسة هو خلق جيل من الذكاء يستطيع ربط المعطيات و التفاصيل للخروج بنتائج و استنتاجات ، وهو ما على الباحثين التفكير فيه ، بل ينبغي ﺇعطاء الفرصة للكفاءات الوطنية و الباحثين ، واﻷكثرمن ذلك ينبغي ﺃن نتوفر حقيقة على النية في اﻹصلاح ، فالمغاربة اليوم لم يعودوا يخدعون بالخطابات المعسولة ، ﺃولغة الخشب التي اعتاد مسؤولونا مخاطبتنا بها ، فتدبير الشان العام ﺃصبح اليوم يفرض على الجميع الدلو بدلوه فيما يخص مختلف المشاكل و الاكراهات التي ﺃصبح يعيشها المجتمع ، فمن ناحية ﺃخرى ينبغي على المسؤولين الوعي ﺃننا في بلد دخل الالفية الثالثة ، لا يمكنه باي حال ﺃن يستمر في سياسة النعامة .


ﺇن المدخل اﻷساسي للاصلاح بالنسبة لجميع القطاعات سواء اﻹنتاجية ﺃوالخدمات، هو ﺇيلاء اﻷهمية لعملية ﺇصلاح اﻷحزاب والنقابات وﺃيضا جمعيات المجتمع المدني ، فمناخ انعدام الثقة الذي صار يعيشه الشارع المغربي ، وعزوفه عن كل ما يمت للسياسة بصلة ، قادر على اﻹتيان بنتائج كارثية على المدى المتوسط و البعيد ، فالكل ﺃصبح يلاحظ حجم التراجعات التي نعيشها اليوم ، و التي تصب كلها في خانة الطبقات المغتنية من عرق الفقراء ، فالتضييق على العمل النقابي بسن تشريعات لا مسؤولة تضرب الحق في اﻹضراب والممارسة النقابية عموما، مع مباركة وصمت المركزيات النقابية المخزي، كلها ﺇجراءات تصب في خانة ” “الباطرونا ” المدللة كثيرا في بلدنا ، وهو ما يهدد بالمزيد من اﻹحتقان اﻹجتماعي بعد فشل الحكومة الذريع في تقديم المراهم والمسكنات للمشاكل الحقيقية دون معالجة جدرية ، ومثالنا من القطاع الفلاحي لا يشكل سوى النذر اليسير من حجم المشاكل الذي يعرفها هذا القطاع ﺃو باقي القطاعات اﻷخرى والتي ليست في ﺃحسن حال.


خالد رحموني ( ﺃستاذ بتازة )



الجفاف ... واقع ﺃم وهم

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire