dimanche 10 mars 2013

تازة والحقيقة الضائعة : مغالطات في الزمان والمكان

تابعت مختلف وسائل الإعلام الأحداث التي عرفها حي التقدم )كان يطلق عليه حي الكوشة ( بتازة في مستهل السنة الماضية ( 4/5 يناير 2012) والتي أدت إلى وفاة شخص واحد ( تطالب الجمعيات والاطارت الحقوقية بالتحقيق في ظروف وفاته ) هو الشاب نبيل الزوهري وإصابة العشرات بجراح واعتقال 18 شخصا أفرج عن عدد منهم كما تمت إدانة آخرين بالسجن والغرامة وكانت وراء الأحداث أوضاع معينة لا تخفى على أحد لها طبيعة اقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى وحاول البعض إلباسها لبوسا سياسيا أو سياسويا وانتخابويا بإدانة هذا الطرف أو ذاك وركب لها البعض الآخر تخريجات عجيبة وأحكاما متهافتة اطلاقية تنهل من التاريخ القديم والحديث ولله الأمر من قبل ومن بعد….


لقد بلغت الأوضاع مستوى الاحتقان مع الفواتير الملتهبة للماء والكهرباء وتزامنت مع نضالات المعطلين التي خاضوها سواء أمام أبواب العمالة أو في مواجهة الجماعة الحضرية وباقي المؤسسات المعنية بملفهم ، ظهرت من خلال التغطيات والمتابعات المختلفة عدد من المغالطات تصدى لها التازيون الأحرار ومعهم بعض الغيورين لتصحيحها خاصة وأن مصادر الخبر كانت رسمية أحادية التوجه وهي معلومة عند العام والخاص ، ولم يؤخذ جانب المواطنين الشرفاء وجمعيات المجتمع المدني بعين الاعتبار إلا قليلا مع أن هؤلاء المواطنين وتلك الجمعيات كانوا في قلب الحدث إسهاما سلميا وتوجها حضاريا ، فإقليم تازة كغيره من أقاليم المملكة ومناطق المغرب العميق يعاني من أعطاب ومشاكل اجتماعية وتنموية مزمنة ، يؤدي ثمنها البسطاء والمستضعفون بالدرجة الأولى وهم غالبية الساكنة ، في حين أن لوبيات معينة تنهب وتلهط على كل مدخرات ومقدرات المنطقة من مافيا العقارونهب المال العام إلى الاستغلال المتوحش للمقالع واجتثاث الغابات وإغلاق الوحدات الإنتاجية في غياب أي محاسبة أو مراقبة أو متابعة والضحية دوما هي التنمية الحقيقية المرتبطة بمشاريع كبرى وملموسة تخلق فرص التقدم والشغل والعيش الكريم لجميع المواطنين …


في سياق نفس الأحداث نعلم أيضا طبيعة الاهتراء الذي تعيشه تلفزتنا الرسمية ثم واقع الخطوط التحريرية لأغلب المنابر الورقية ومعها أساليب الانتقاء والالتواء والتمويه أو حتى التلبيس والتشويه أحيانا في التعامل مع المواد الإعلامية والخبرية ، بعيدا عن كل موضوعية أو نزاهة …نستثني من ذلك قليلا من المنابر الورقية وبعض المواقع الاليكترونية …


في كل الأحوال فالمشهد زمانا ومكانا يحتاج إلى الكثير من التنوير ورفع غشاوة الجهل أوالتجاهل أو الاستجهال ( إذا صح هذا عند اللغويين والصرفيين ) التي تستهدف الكثير من المناطق المغربية حين يتعامل معها كمجرد أرقام ومعطيات إحصائية لا تتعدى رفوف وملفات وحواسيب العاصمة الرباط أوالمكاتب المكيفة لهيئات تحرير الجرائد بالعاصمة الاقتصادية !!، هذا وضع مخجل حقا يجب إعادة النظر فيه ومن ثمة تصحيحه فالمفروض ألا يستمر منطق المواطنين والمناطق والجهات من الدرجة الأولى والثانية والثالثة في مغرب الدستور الجديد وتصحيح الأوضاع … مغرب القرن ال21 والمفهوم الجديد للسلطة الذي رسمته توجهات ج الملك محمد السادس ….


إذا كان الإقصاء قد شمل الاقتصاد والاجتماع والسياسة عموديا فان التاريخ الرسمي أفقيا يضرب صفحا أيضا عن إسهام المراكز البعيدة من العواصم أوما ينعت ب ” الهوامش ” في تاريخ البلاد ومنها مدينة تازة وإقليمها رغم أنها لعبت أدوارا مشهودة في تأسيس وانهيار الدول المتعاقبة على حكم المغرب الأقصى و في الفتن التي عرفتها و في مراحل الاستقرار والرخاء والعطاء العلمي والأدبي أيضا شأنها شأن كل المدن المتوسطة / القديمة التي واكبت فترات أساسية من تاريخ البلاد ….أي أنها ليست هامشية في الحقيقة بل يراد لها أن تكون كذلك ، ثمة إشارة فريدة من نوعها لابد أن نثيرها قبل الحديث عن تازة والأحوازأفقيا هذه المرة ذلك أن بعض” المؤرخين ” و” الباحثين ” و” الفقهاء ” ياحسراه ينسبون بعض الأعلام التازية إلى مدينة فاس !!! مع احترامنا التام للعاصمة العلمية كالعلامة ابن بري صاحب ” الدرر اللوامع ” في علم القراءات الذي ذكر عبد العزيز بن عبد الله أنه دفين فاس !! وقد صحح المرحوم الحاج امحمد الامراني العلامة التازي هذه المغالطة باعتبار أن جميع المصادر والمراجع المطبوعة والمخطوطة ذكرت انه دفن ببلده تازة ، وقبره مشهور بها بل أشهر من نار على علم وضريحه موجود لحد الآن وراء عمالة الإقليم بتازة العليا ” وكذلك أبو العباس الجزنائي الطبيب الشاعر الذي نسب إلى فاس مع أن نفس المصادر تؤكد أن مولده ونشأته كانتا بتازة وقبيلته جزناية أمازيغية مستقرة بشمال الإقليم ” ( ملفات من تاريخ المغرب ص 8/9 ع18 السنة 2 فبراير 1998) هذا الظلم المعرفي والتاريخي لوحده يتطلب صفحات وصفحات من رد الأمور إلى نصابها حتى لا يستمر التشويه ( المقصود أو غير المقصود ) وحتى تكون ناشئتنا الحالية على بينة من تاريخها ومؤسساتها ، وهي ناشئة الانفتاح و البحث الدقيق ووسائط الاتصال الحديثة وحتى لا يستمر استغفال الشعب وعموم الباحثين داخل المغرب وخارجه…ومثل ذلك ما ذهب إليه أحد ” قيدومي ” الصحفيين المغاربة ( كذا ) في جريدته وقمت بتصحيحه في حينه باعتبار واجبي كأحد أبناء تازة وإنصافا للحقيقة وحدها ، أما حديث الخيانة الوطنية فنتساءل ببراءة من أجدر أن يتهم بها ؟ إقليم مكافح معتزبقيم الحرية والاستقلالية والثوابت الوطنية أم من هتفوا للسلطان الدمية محمد بن عرفة ضد الملك الوطني الشرعي المغفور له محمد الخامس ؟ أترك الإجابة للمهتمين ومعهم كل الرأي العام الوطني … ومرحبا بأي نقاش علمي بناء وموضوعي …وليس تلويك الهتر و الخزعبلات والأسطوانات البالية….


لقد تعرضت تازة لأشكال وألوان من الظلم فريدة من نوعها ليس آخرها الظلم في مجال البحث التاريخي وأعلام المغرب وهو ظلم تعود مسؤوليته إلى الجهات الرسمية والمؤرخين المحسوبين عليها أولا ثم ثانيا إلى أبناء المدينة والإقليم أنفسهم بكل وضوح ….ثمة أيضا بعض التفسيرات المشبوهة للتاريخ جاء الوقت لفضحها وتكذيبها جملة وتفصيلا لأن جهة ما ظلت تروجها لحاجة في نفسها وقد تمكنت لبعض الوقت من خلق رهاب حقيقي تجاه تازة وإقليمها مع أن مواطني المنطقة متشبعون بالرموز الوطنية وثوابت الأمة مثلهم مثل مواطني باقي جهات وأقاليم المملكة فلا علاقة مثلا للشاب اعبابوالمعتقل حاليا على خلفية أحداث الكوشة بعائلة الكولونيل اعبابو قائد المحاولة الانقلابية التي استهدفت الراحل الملك الحسن الثاني بقصر الصخيرات زوال يوم 10يوليوز 1971 لسوء الحظ فهو الاسم المشترك فقط لا غير وليس للإقليم أية علاقة مع الجنرال أوفقيرفهذا الأخير من مواليد “عين الشعير” بمنطقة بوذنيب جنوب شرق المغرب وهي من المناطق الأكثر فقرا وتهميشا مقارنة بتازة ولا ذنب لها أيضا في ما حصل ، نعم الكولونيل اعبابو هو ابن قرية بورد أقصى شمال الإقليم ولكن الكولونيل قتل في خاتمة المحاولة الفاشلة ضمن الظروف المعلومة مع الجنرال المذبوح الرجلان رحلا معا إلى دار البقاء والأسباب الموضوعية لمحاولة الانقلاب تلك واضحة لا غبار عليها فصلت فيها مثلا هيئة الإنصاف والمصالحة لمن أراد العودة إلى تقاريرها ووثائقها و كل هذا أصبح من التاريخ فحساب عبابو والمذبوح عند الخالق عز وجل ولا تزر وازرة وزر أخرى فما ذنب الإقليم والمدينة في كل هذا ؟ لماذا القفز على المشاكل الحقيقية وهي ذات طابع اقتصادي اجتماعي تتعلق بفساد النخب المحلية وتعثرات سياسة اقتصادية واجتماعية مركزية لا ترى أبعد مما تعتبره مغربا نافعا وآخر غير نافع وكأن سكان إقليم تازة ومعها الجهات المهمشة بالمملكة ( لأن تازة ليست وحدها مهمشة ) نزلوا من المريخ أو هم مواطنون من الدرجة الثانية ، لماذا تتخذ أحداث معزولة ( نسبت ظلما إلى تازة وأهلها المسالمين الأبرياء وبعضها يعود إلى بدايات القرن العشرين وأصحابها أصبحوا رمادا ) لماذا تتخذ تلك الأحداث شماعة للتغطية على فشل الدولة والمخزن في إرساء مشروع اقتصادي واجتماعي وتدبيري منسجم وفي خدمة جميع المغاربة كل المغاربة ؟؟ أما آن لهذا المنطق الأعوج أن ينتهي ؟ أما حان الوقت بعد لإقرار مبدأ تساوي كل الساكنة وكل الأقاليم و الجهات أمام القوانين والحقوق والواجبات والمشاريع التنموية أي التعامل مع مواطنيها كمغاربة لا يزيدون ولا ينقصون ؟ ماذا فعل لكم هذا الإقليم المجاهد حتى يجازى جزاء سنمار… ماذا جنى هذا الإقليم على الوطن حتى يهمشه المسؤولون المركزيون وينهبه المتسلطون عليه ممن يحسبون أنفسهم نخبا محلية ؟


لقد لعب الكثير من أبناء مدينة تازة وإقليمها أدوارا تاريخية مشهودة وبطولية في الدفاع عن الاستقلال وحوزة التراب الوطني : علاوة على المقاومة المسلحة الأولى ( 1912 / 1926) يكفي أن نذكر مثلث الموت ( أكنول – تيزي وسلي – بورد ) حيث انطلقت رصاصات جيش التحرير الشمالي يوم 02 أكتوبر 1955 من اجل التحرر و الاستقلال وهي التي عجلت بعودة المغفور له محمد الخامس إلى عرشه يوم 18 نونبر من نفس السنة كما شاركت جماهير تازة في المسيرة الخضراء بكل حماس ( ولا زلت أتذكروأنا يافع المذيع الشهير مصطفى العلوي في التلفزة وهو يغطي حدث انطلاق متطوعي ومتطوعات إقليم تازة مرددا بحماس منقطع النظير ” تازة وما أدراك ما تازة ” !!!) وضحى مئات الشباب بأرواحهم ودمائهم الزكية جنودا وضباطا من أبناء إقليم تازة في الخطوط الأمامية أثناء المعارك الدامية على طول وعرض الصحراء المغربية معارك الزاك والسمارة والمحبس وبير أنزران منذ 1976 ضد المرتزقة ودعاة الانفصال والى حدود وقف إطلاق النار في بداية التسعينيات من القرن الماضي ، ولازال من كتب لهم الحياة من هؤلاء حبيسي البؤس والفقر والتهميش ولا نتحدث عن الأطر المتوسطة والعليا التي تنحدر من الإقليم والعاملة في مختلف مرافق الدولة بكل تفان وإخلاص من أجل تقدم ورفعة الوطن….


لقد آن الأوان ياقوم للقطع مع منطق “هذا سفري وهذا حمري ” منطق التمايز الجهوي والثقافي بما يكتنفه من أوهام وأكاذيب وأحكام متهافتة وجاهزة فكلنا مغاربة و والمفروض أن يكون المعيار الأوحد هو خدمة الوطن والصالح العام لكن للأسف يبدو مع ذلك أن المغرب وهو يخلد مرور قرن كامل على معاهدة الحماية لم يجر التصالح الضروري والحقيقي مع تاريخه وجغرافته بعد…. للحديث بقية


عبد الإله بسكمار/ كاتب / فاعل مدني


وحدة الإعلام والتواصل / النادي التازي للصحافة/ تازة



تازة والحقيقة الضائعة : مغالطات في الزمان والمكان

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire