samedi 2 février 2013

القـرار بيد الملك

ذ. المصطفى سنكي

ذ. المصطفى سنكي” تمخَّضَ الجبل فولد فأرا “، مثل عربي قديم شهير يُضرب لمن يُتوقع منه الكثير لكنه يأتي بالشيء القليل والحقير الذي لا يتناسب والمطلوب أو المُتوقع. والجبل هو ما سَوّقه النظام وطبّل له الإعلام الرسمي وهلّل له الراكبون قطار المخزن بالتبع. فمن خطاب 9مارس 2011 “التاريخي الشجاع المؤسس لعهد جديد” يستعيد فيه الشعب سلطة القرار من خلال انتخاب من يتولى تدبير شؤونه على قاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة، إلى الدستور “الفاتح” يفصل السلط ويحدد الصلاحيات، إلى انتخابات تفرز مؤسسة برلمانية قوية تحمي المال العام و”تغار” عليه من التبذير، وتنبثق منها حكومة يتمتع رئيسها بصلاحيات واسعة تُسعفه لتنفيذ برنامجه والوفاء بوعوده الانتخابية استئصالا للفساد من جذوره، وقضاءً على الريع الذي غدا ثقافة وسلوكا، وتوفيرا للخدمات الاجتماعية، ومحاربة للهشاشة وأمها البطالة وأباها الحرمان. إنه ـ في كلمة واحدة ـ الاستثناء المغربي والعبقرية المخزنية التي استبقت رياح الربيع العربي وجنبت البلاد والعباد القلاقل والفتن. زعموا.

أما الفأر فهو ما تمخّض عما سُوِّق إصلاحا: دستور متنازع عليه نصا، فقد شهد شاهد ممن شاركوا في صياغته وبنائه مُشككا أنما عُرض على الاستفتاء ليس هو المعمول به. دستور ظلت التصويبات والتعديلات تلاحقه بعد “إقراره” من خلال لوائح انتخابية مطعون في دقتها، وعملية استفتاء تفردت السلطة بها إجراءً وفرزا وإعلان نتائج. دستور أعاد توزيع السلط ليستفرد الملك بالقرار وترؤس المؤسسات الحاسمة: القضاء نموذجا. وما لم يصرح النص الدستوري بتفويته للمؤسسة الملكية تكفلت به القوانين التنظيمية: المؤسسات الاستراتيجية مثالا.

وحيث إن الدستور ـ وهو أسمى وثيقة تحدد طبيعة أي نظام سياسي ـ اعتبر نسخة منقحة لدساتير: 96،92،72،70،62، ويكفي دليلا أن الفصل:19 المثير للجدل في الدستور السابق تمت دسْترة صلاحياته في الفصلين:42،41 من الدستور “الجديد”؛ فإن ما انبثق عنه من مؤسسات ضعيفةٍ صلاحيةً وشكليةٍ صوريةٍ وظيفةً هي فأر لا حول له ولا قوة لمقارعة التماسيح وبالأحرى العفاريت.

اليوم، والحكومة تطوي حوالي سنة ونصف من ولايتها لم تتردد في شخص رئيسها أن تعترف بأن الطريق ليس سالكا كما كان يعتقد، وأن بيئة الإصلاح لم تتوافر فيها بعد الشروط المطلوبة، وأن ما يلوكه الإعلام والخطاب الرسميان من شعارات من قبيل: دولة المؤسسات، ربط المسؤولية بالمحاسبة، لا يعدو أن يكون خطابا ديماغوجيا يفضحه الواقع المعيش، ويؤكده تصريحان لمسؤوليْن لا محل لمضمونهما في الوثيقة الدستورية، وبالتالي يُحيلان على مرحلة ما قبل التاريخ/الدستور.

التصريح الأول صدر عن رئيس الحكومة الأستاذ عبد الإله بن كيران يرد على المقايضين بتعديل حكومي أو فسخ الائتلاف وبالتالي إسقاط الحكومة مفضلا الهروب إلى الأمام، ويعلن أن مصيره على رأس الحكومة بيد الملك، وأنه سيرحل إذا طلب منه الملك ذلك، وبالتالي فهو لا يعبأ بما يثار من ضجيج.

التصريح الثاني بطله علي الفاسي الفهري رئيس جامعة كرة القدم يختار نفس اللغة جوابا على سؤال عن إمكانية تنحيه أو إعفائه من مسؤولية تدبير الشأن الكروي بعد توالي النكسات الكروية، فيرد بالقول: “القرار ليس بيدي، أنا جندي من جنود صاحب الجلالة محمد السادس، إذا أرادني أن أستمر في مهمتي فسأواصلها بكل تفان وإخلاص، وإذا ما شاء جلالته أن أنهي مهامي في رئاسة الجامعة فسأقوم بذلك.”.

التصريحان كلمة حق يشهد بصدقها الواقع والممارسة. ففي حالة رئيس الحكومة الأستاذ عبد الإله بن كيران الذي يكرر مرارا التأكيد على أنه يمارس صلاحياته الدستورية، وأن رئاسة حزبه للحكومة استحقاق انتخابي، وأن صناديق الاقتراع هي مصدر شعبيته، وسبق أن صرح ـ وما أكثر تصريحاته! ـ أنه لن سيرحل إذا طلب منه الشعب ذلك، وهو ـ نفسه ـ لا يملّ من الردّ على المشككين في صموده أمام جيوب الفساد وفلوله أن الملك يسانده ويدعوه لاحترام القانون، وحيث إنه لا دخل للملك في هذا النزال، ففي أي سياق دستوري يندرج التصريح إذن؟ هل معناه أن رئيس الحكومة يستقوي بالملك على النص الدستوري أولا، وعلى المنافسين السياسيين ثانيا؟ أم أن الأستاذ عبد الإله بن كيران يعي تمام الوعي أن الملك هو من بيده الأمر من قبل الدستور ومن بعده؟

وفي نفس السياق، تأتي حادثة مشابهة، ذلك أنه غداة انسحاب حزب الأصالة والمعاصرة من أغلبية حكومة الوزير الأول السابق عباس الفاسي، وعوض أن يبحث عن حليف جديد يضمن به استمرار حكومته، خرج ليصرح ـ منتشيا ـ أن الملك اتصل به ـ والملك وقتها كان في فرنسا ـ معبرا له عن دعمه ومساندته. ما موقع هذا الدعم وهذه المساندة دستوريا؟ هل الدعم والمساندة المعنويان يدفعان عن حكومة لا أغلبية برلمانية لها السقوط والحل؟

أما في حالة رئيس الجامعة المغربية، وهو في ذات الحين رئيس مؤسسة استراتيجية: المكتب الوطني للماء والكهرباء، فلا تفسير لها سوى أن قطاع الرياضة عموما وكرة القدم خصوصا جزء من حِمَى النظام وحديقته الخلفية. لذلك، فإبعاده لن يتم وفق المساطر المنظمة لعمل الجامعات الرياضية: جموع عامة، تقارير أدبية ومادية تناقش وتدقق في الأداء وتدقق في الشأن المالي ومنها الصفقات… لا شيء من هذا سيحدث، وإن حدث فاحتراما للشكليات. إن تنحي رئيس جامعة كرة القدم لن يتم إلا بأوامر عليا لا تخرج في العادة عن مسارين: مسار تنويهي تثميني بما أبلاه السيد رئيس الجامعة من بلاء لمأسسة قطاع حيوي، وهذا يرفعه عن المحاسبة والمساءلة. ومسار بدلالة مناقضة في شكل غضبة ملكية على سوء تدبير القطاع، وقد يفضي لإحداث مجلس أعلى للرياضة، لا تُستبعد عضوية رئيس جامعة كرة القدم فيه. ويكفي دليلا التذكير بما أثارته مشاركة المنتخب الوطني المخيبة للآمال في نهاية كأس العالم بفرنسا، إذ ارتفعت الأصوات فيما يشبه الإجماع الشعبي على رحيل الناخب آنذاك الفرنسي هنري ميشال الذي حظي باستقبال ملكي وُشِّـح خلاله بوسام الرضا فابتلع الغاضبون ألسنتهم وخنست الأصوات ولا تسمع إلا همسا.

التصريحان يبرهنان على حقيقة أضحت مُسَلّمة لدى العامة مفادها أن الملك ـ والملك فقط ـ من يملك سلطة القرار، وما عدا ذلك من دستور وما اشتُق منه من مؤسسات: برلمان، حكومة، مجالس وهيئات ديكور يزين واجهة النظام ليبدو في صورة دولة حديثة. مثلما أن ربط المسؤولية بالمحاسبة شعار للاستهلاك الإعلامي والاتجار السياسوي، إلا ما كان ذرا للرماد في العيون، حيث يقدم بسطاء المسؤولين قرابين للتماسيح والعفاريت الذين لا يجرؤ مفتشو المجلس الأعلى طرق أبواب مؤسساتهم، وإن وردت أسماء بعضهم في قضايا نهب المال العام، فأعوان القضاء لا يعرفون عناوين سكناهم. عبقرية مغربية خالصة في إنتاج الفساد وحمايته.

واقع الحال يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن القرار في الصغير قبل الكبير بيد الملك ومؤسسات الدولة تُرجع الصدى وتبارك وتزكي. وإلا ما معنى أن يُعفى عامل من مهامه بسبب خطإ مهني دون أن يُحال على المجلس الانضباطي أو التأديبي ليكون قرار الإعفاء سليما إداريا!؟ تُرى ماذا لو تقدم العامل بدعوى إدارية في شكلية إعفائه؟ ثم ما معنى أن تُحرك مساطر متابعة جمركيِّيِن ودركيِّيِن بعد شكاوى توصل بها القصر من مواطنين من الجالية المغربية بالخارج قفزا على المؤسسات المعنية؟ أليس الأسلم أن تحال الشكاوى إلى وزارة العدل لفتح تحقيق ومتابعة المتهمين بعدها؟ ألم يعتبر الدكتور عبد العالي حامي الدين عضو أمانة حزب المصباح الأمر مؤشرا على تدخل الملك في اختصاصات الحكومة وتقويض صلاحياتها الدستورية؟ يومها خرجت العفاريت من قماقمها لتحرك ملفا جنائيا يعود لبداية تسعينيات القرن الماضي في رسالة لفقيه حزب المصباح الدستوري أن الزم حدك واعرف قدرك.

إذن، الأمر بيد الملك، ورئيس الحكومة كرئيس الجامعة الملكية لكرة القدم يعيان ما يقولان، وما يثار من نقاش حول عدم دستورية التصريحين، كلمة لا يراد بها حق، بقدر ما يقصد بها التشويش وممارسة ضغط إضافي على رئيس الحكومة، نيلا من شعبيته ورصيده السياسي. وإلا فالواقع لا يرتفع، وشرح الواضحات من المفضحات. كما يقال.


القـرار بيد الملك

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire