samedi 16 février 2013

حوار مع مواطن يعيش على هامش الوطن

لحظة تمنيت لو أن كارثة طبيعية حلّت بهذه الرقعة من الأرض، أو أن ثورة تقوم من تحت إلى فوق ومن الشرق إلى الغرب على طول المعمور .. أو أي شيء … المهم هو تغيير الواقِع بأي شكل كان، وأن يُكتب لِهذا الشعب أَن يعيش بكرامة.

وأنا مسافر لأگادير على متن حافلة، تجادبنا أطراف الحديث أنا ورجل في أواخر عقده الخامس، وقد نال الشيب من رأسه، ورسوم الزمن الغادر بدأت تظهر على محياه. بعد أن عرفني ابن المنطقة، بدأ يحكي شيئا مما أنهكه في حياته من ظروف العيش القاسية وغلاء الأسعار في مقابل المرتب الذي يحصل عليه على حساب صحته، إنه يعاني من نقص النظر وكلامه يكاد يتضح نتيجة مرض ألمّ بفكه السفلي، مما اضطره إلى طلب التقاعد المبكر ليعالجه عِلاته المتعددة، لكن بعين متحسرة ويائسة قال لي أنه بعدَ محاولات عدة لم يُفلح فِي ذلك، وهو مرغم الآن أن يتنقل إلى مدينة العيون كل 20 يوماً ليتلقى العلاج لدى طبيب مختص هناك، ورغم أنه توسل مرات عديدة المسؤولين في العيون والرباط لإحالته على التقاعد المبكر أو نقله على الأقل نحو طبيب قريب بمدينة فاس أو مكناس، لكن رفضوا طلبه.

هو الآن يسافر كل 20 يوما إلى مدينة العيون في رحلة تستغرق في أحسن الأحوال يومين على متن حافلة إلى أكادير ومن تم إلى العيون، وبمصروف يفوق أكثر من 1500 درهم، فلكُم أن تتصوروا طول المسافة من وسط المغرب نحو الجنوب الأقصى كل شهر وما يُصاحب ذلك من تعب ومشقة، وكيف يُنفق تقريباً راتبه الشهري الهزيل ليصل إلى الطبيب بمدينة العيون ويسلمه شهادة العجز ليعود إلى منزله بتاهلة.

يتحدث وهو متيقن أن لا مستقبل للضعفاء في هذا الوطن، وطنٌ رجالاته يموتون موتا بطيئا موتاً اجتماعياً أولا ثم بيولوجياً. ينظر بثقل نحو ساعته اليدوية يحسب الدقائق كمن يحسب السنوات الضوئية، يتساءل كيف سيعيش أبناءه الصغار الأربعة براتبٍ لا يكفي حتى لشراء دواء يشفيه من أمراض كثيرة استعمرت جسده بعد أكثر من عقدين من الزمن من الخدمة، يتساءل وهو يعي تماماً أن لا مكان لأمثاله في هذا الوطن، وطنٌ يزداد شجعا وغلاء، وطن لا يعترف بأمثاله، وطن تتسع فيه الهوة بين هذا وذاك على حساب الفقير. هو يعي تمام ويؤكد أن لا بنكيران وحكومته ولا أحداً آخر سيفكُّ أسر أمثاله، هم ببساطة خارج المعادلة…

لم يمل من الحديث حتى وقتٍ متأخر من الليل، قبل أن يستسلم لنوم عميق يُنسيه مرارة العيش على جمرات التهميش والحرمان والظلم، تساءل كيف لمنطقة كتاهلة قدمت الشيء الكثير لهذا البلد ولقّن أبناؤها في الأمس دروساً للمستعمر بصدور عارية وأنفة كبيرة ونكران ذات… وها نحن اليوم نُكمل المهمة بشكل آخر.. لكن نعيش على الهامش. يكمل حديثه هذا ويخلد إلى النوم.

في الدول التي تحترم مواطنيها وتسود الكرامة والعدالة، تُعتبر فترة التقاعد مناسبة للراحة النفسية والجسدية بعد سنوات من الكد والاجتهاد والخدمة، حيث يقضي المتقاعد بقية حياته مع أسرته وأحفاده، ويجول الدول ويسافر وينعشه أيامه الأخيرة براتب محترم يضمن له الحياة الكريمة. أما في المغرب ففئة المتقاعدين –خصوصا متقاعدي الجيش-التي تمثل نسبة 10%، فقد عانت ولا تزال تعاني من سياسة إقصائية هدفها التهميش لا سواء من طرف الدولة أو المجتمع، فجلّ الحكومات السابقة والحالية لا زالت تكرس وضعية الدونية والتهميش لهذه الفئة التي أفنت عقوداً من عمرها في سبيل خدمة الوطن. والمجتمع من جهته لا يبخل كما يقال، فنظرته نحو المتقاعد كمن لم يعد يصلح لشيء.
حال الرجل كحال الكثيرين في هذا الوطن، وحالهم يتساءل: متى سيكون لهذه الفئة المهمشة متسع في هذا الوطن؟

يوسف لخضر – الزراردةيوسف لخضر


حوار مع مواطن يعيش على هامش الوطن

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire