jeudi 21 février 2013

الدولة المواطِنة

تبادر إلى ذهني وأنا عائد إلى البيت سؤال غريب: أتصاب الدول بانفصام الشخصية؟ فابتسمت وقلت مع نفسي:” لكن، أللدولة شخصية؟ ثم عدت متسائلا بنفس الحزم: أو لا يقولون أن للدولة شخصية معنوية؟

أسرعت الخطى وأنا أفكر فيما قاله لي أخي المقيم بالمهجر بالأمس، وتمعنت كثيرا في كلماته التي كانت تحمل كل معاني الاعتزاز والعشق والإعجاب بالدولة التي حل بها، فاحتضنته بدفئ كبير، فمعها اكتشف أنه كل مواطنيها هم مواطنون من الدرجة الأولى.

في بلاد الضباب هذه، يتبادل المواطن والدولة حبا لا مثيل لهن وينسجان علاقة ود واحترام، فالدولة تعشق المواطن وهو يبادلها نفس العشق.

أتذكر ماحكاه لي عن الممرضة التي تابعت زوجته أثناء الحمل وكيف كانت تتصل بها وتتابعها بانتظام، وكيف استقبلوها عند المخاض وكأنها ملكة بين وصيفاتها، وكبف أن الطبيبة التي أشرفت عليها وهي للاشارة طبيبة حاذقة ومتمرسة ومع ذلك لم تتردد في استشارة أربعة من كبار الأطباء لإخضاع الزوجة لعملية أثناء الوضع، وكيف تحدثت إليها قبل العملية معتذرة لها عن الآلام التي قد تتسبب لها فيها، أتذكر كيف وصف لي المستشفى الذي يعج بالحركة ليلا والابتسامة لاتفارق وجوه العاملين به، وأتذكر في المقابل ممرضات استقبلنني يوم انقلبت بي السيارة أنا وزوجتي وطفلي الصغير صيف 2004، وكيف جئنا إلى قسم المستعجلات في حالة رثة، وطفلي يصرخ والممرضات يستمتعن بسماع إحدى النكت وتتعالى ضحكاتهن في منتصف النهار وحين تحدثت إلى إحداهن كي تدخلنا لإجراء الفحوصات أجابت بكل برودة بأن جهاز السكانير معطل وأنه يتوجب علي التنقل إلى مصحة خاصة.

أتذكر ماقاله أخي عن المُدرّسة وكيف وصفت ابنه المشاغب الذي لايتوقف عن الحركة، بأنه ” ولد نشيط وحركي، وأنه محبوب لدى الجميع.”،وكيف يعيش ولداه عالم البيت وعالم المدرسة بآفاقه الرحبة، عالم يتم تنشئة الطفل فيه على قيم التسامح والحب واحترام الآخر، فيما يعاني أطفالنا داخل المدرسة من ظلم الأقران والأغيار والمربين، وكيف تحولت المدرسة إلى فضاء يتأسس على العنف ويحيا به.

قال لي أخي:” حين تغفل الدولة عن استخلاص إحدى الضرائب يقوم المواطن بنفسه بكل أريحية ومسؤولية بدفع ما بذمته للدولة”، لأنه يعلم علم يقين أن الدولة هي سماؤه التي يلتحفها وأرضه التي يفترشها، بينما يتهرب المواطن من الدولة وتتهرب هي أيضا منه في كل دول العالم الثالث، يحس كل واحد يأن الآخر عبء ثقيل عليه.

حين تعجز الدول غير المتصالحة مع مواطنيها، تغرقهم بالتشريعات والنصوص القانونية حتى تلك التي لا يحتاجون إليها، لأنها تعتبر المقاربات القانونية هي الأنجع، ولا يمكن أن ينصاع المواطن إلا بالاكراه. وفق هذه الرؤية تفشل كل البرامج والمشاريع التي تروم إصلاح السياسات العمومية فتظل حبيسة الكلمات وتصورات مبدعيها، فيسمع المواطن عن الحكامة الجيدة ولا يرى إلا سوء التدبير ويسمع عن سياسات القرب ولا يرى إلا البعد والإعراض وعن الترشيد ولايرى إلا التبذير. ومع كل هذا وذاك، تحاول الدول المتخلفة التصالح مع المواطن المغلوب بالدعايات والحملات لإقناعه بالعدول عن مواقفه والانخراط في مسلسل التغيير بعد أن افتضت بكارة ثقته وأنى لها أن تسترد.

إن نظام الاشتغالsystème de fonctionnement) ) في جل دول العالم الثالث نظام انتهت صلاحيته، لذا ترى الأجنبي حين يزور هذه البلدان يخرق القانون لأنه يعلم أن سرعة تطبيقه مترددة، سريعة مساطره مع هذا وبطيئة مع ذاك ومتوقفة تماما مع أصحاب الجاه. أما نحن، فسرعان مانتحول إلى مواطنين حقيقيين حين نسافر عندهم، لأننا نعلم أنهم لايفرقون بين غني وفقير بين متنفذ وحقير فالكل سواسية أمام القانون.

وصلت أخيرا إلى البيت، فوجدت أحد المرشحين للانتخابات ينتظرني بابتسامة عريضة وهو الذي أمضى عدة فترات كمنتخب عن الحي، فهِم ما يخطر ببالي وعلى التو قال: “أعدكم بمفاجآت لن أصرح بها، فقط صوتوا علي وسترون.”، نظرت إليه بإمعان لأنه صورة مصغرة للحاكم الذي ينتخبه الشعب مرة واحدة فيخلد فيها إلى الأبد ولايفارق الكرسي، إلا وهو محمول إلى القبر، وقد عمل على تكييف الدستور مرات ومرات ليمدد فترة رئاسته. قلت في نفسي وأنا أرسم على وجهي ابتسامة طمأنة لهذا المرشح: “الله ينعل اللي مايحشم”.

مصطفى باحدة


الدولة المواطِنة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire