lundi 27 mai 2013

إلى دعاة التطرف .....رفقا من فضلكم

*عبد الإله بسكمار


ما وقع لأستاذ اللغة العربية بإحدى قرى إقليم الجديدة من استدعاء واستنطاق بتهمة ” الإلحاد ” شيء يدعونا إلى أن نضع أيدينا على قلوبنا خوفا وإشفاقا على بلدنا وحادث الاعتداء على الطالبة فدوى الرجواني و إن لم تتضح خلفياته الحقيقية بعد – لأن الأمر متروك للجهات الأمنية والقضائية – يجعلنا نتساءل عن مصير هامش الحريات بهذا الوطن ، الهامش الذي ضحى من أجله المغاربة وعموم الشرفاء ، وساهمت في صنعه القوى المناضلة ( والدولة أيضا ) داخليا وخارجيا وعبره نطرح التساؤل كبيرا عن مصير البلاد ككل حالة عدنا إلى سنوات رصاص أخرى أو محاكم تفتيش جديدة … نتساءل بالطبع عن ماهية التهمة الفضفاضة ” الإلحاد ” وطريقة المتابعة والنصوص القانونية المعتمدة ، علما بأن الكلمة الأخيرة هي للقضاء وليس في نيتنا أن ننوب عن السادة القضاة أو نؤثر عليهم بل فقط نتمنى ما يتمناه كل غيور على الحريات والحقوق الفردية والجماعية وضمانها في إطار القانون ….على كل فاللجوء إلى القضاء عند طرف يحسب أو يفترض نفسه متضررا( ولا ندري طبيعة أو ماهية هذا الضرر ) أفضل بكثير من العنف والاعتداء والقتل والإيذاء باسم الدين وهو منه براء …


الواقعتان إلى جانب أخريات غيرها هي مؤشرات لا تخلو من خطورة تدفع كل الغيورين نحو المنافحة عن مبادئ حرية الرأي والتعبير باعتبارها أصل الحريات جميعا ولكن في احترام للقانون وعدم المساس بمقومات الأمة أو تحقيرها والسخرية منها كالمؤسسات المتوافق حولها والإسلام الوسطي الذي ارتضاه المغاربة والوحدة الترابية للوطن وللتذكير فقط هناك القيم الجمهورية في فرنسا وايطاليا والملكية الجامعة في اسبانيا وانجلترا وهولندا والسويد والنرويج وبلجيكا باعتبارها ملكيات رمزية تلم جميع أطياف وأطراف الشعب والمجتمع اثنيا ولغويا وثقافيا وعرقيا ودينيا بالطبع ،لأن الدين لم يندثر بالغرب كما يعتقد بعض السذج ولكنه انحصر في الاختيار الشخصي إلى حد كبير وما زال يلعب مع ذلك أدوارا عامة بهذا القدر أو ذاك في إطار الفاتيكان أو خارجه ، ويكفي التذكير أيضا أن ملكة بريطانيا هي في نفس الوقت راعية الكنيسة الانجليكانية الرسمية في انجلترا ولانتحدث هنا عن الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت والذي قيل حوله الكثير و استمر إلى حدود بداية الألفية الثالثة مع توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة الانجليزية والجناح السياسي للجيش الجمهوري الأيرلندي ( الكاثوليكي الانفصالي )، ومن أطرف ما يذكر في هذا السياق أن فرنسا المزدهية على كل العالم بعلمانيتها أصبحت تبث صلوات الأحد من الكنائس الفرنسية في قنواتها التلفزية ، صدق أو لا تصدق …..


التطرف مرفوض من أي طرف : علمانيا كان أم دينيا بل قد يتخذ السلوك إياه أشكالا اثنيه أو عرقية ( لا علاقة لها بأي مقاربة علمية أو موضوعية ) ناتجة عن بعض مظاهر التهميش أو الرواسب النفسية والاجتماعية والتاريخية ، ومن ثمة نحن في غنى عن هذه النزعات ( أتحدى أيا كان أن يفرز لي دما نقيا من دم مختلط !!!!) لأن المشاكل في المغرب الحبيب هي ذات طابع اقتصادي اجتماعي وليس عرقي أو عنصري ويمكن أن تلبس صبغة سياسية ما دامت البلاد تضع رجلا وتؤخر أخرى في إرساء المؤسسات الديمقراطية ودولة الحق والقانون والاحتكام إلى رأي الشعب …نعم هناك أحيانا دعوات مستفزة من هذا الطرف أو ذاك يجب أن تواجه بالحوار الايجابي المثمروالاقرار بنسبية الحقيقة البشرية ( علماؤنا الأجلاء أنفسهم يختمون مطارحاتهم الفقهية أو العقدية بقولهم ” …والله أعلم / أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم “) بالحوار وليس بالسيوف على الأعناق ومع الأسف فان بعض قوى التطرف المحسوبة على الإسلام السياسي هي التي تبادر إلى العنف في محاولة لإخراس الرأي الآخر / المعارض أو المنتقد مما قد يفضي بخصومها إلى نعتها بشتى الأوصاف ” القوى الظلامية ” التيار الديني الارهابي” ” الرجعية والماضوية ” الخ…مقابل نعوت ” العلمانيين ” و ” الاستئصاليين الملاحدة ” النزعة الإباحية “….الخ عند المعسكر المعاكس .


جميع الأمم والشعوب وحتى المتحضرة منها اجتازت محنا وماس يشيب لهولها الولدان بسبب التطرف والتعصب في الرأي وله وبالتالي ادعاء الحقيقة المطلقة لكنها استفادت من دروس التاريخ وتجاربه الدموية ووصلت إلى صياغة عقد سياسي واجتماعي متفق عليه pacte فيما يطلق عليه بمفهوم ” الدولة ” ومعها مفاهيم المواطنة والشرعية والانتخاب العام المباشر ومبادئ الحقوق والحريات وعلى قاعدة سيادة القانون وشرعة الحق والواجب ، وبقراءة تقدمية للتاريخ فالطبقة الحاكمة ( البورجوازية ) قبلت بتقديم تلك التنازلات بعد مراحل طويلة وطاحنة من الصراع ضمن أرضية الحفاظ على مصالحها مع إمكانية وصول الفئات المعارضة التي تمثل الشرائح الكادحة والشعبية إلى ” السلطة ” أي ما نسميه بالديمقراطية والتداول السلمي على سدة الحكم ، وذلك بعد اقتناع الطرفين باستحالة قضاء أحدهما على الآخر …


لماذا لا نستفيد من دروس التاريخ ؟ لماذا نصاب في كل مرة بالعمى الايديولوجي والدوغماتي المظلم ؟ لماذا في كل محطة علينا أن نحاضر في البديهيات ؟، لا توجد حرية مطلقة إلا في مخيال أصحابها وفي العهود المتوحشة البدائية ، فهي أيضا نسبية مثل الحقيقة في بعديها المعرفي والوجودي …..والحرية ترتبط بالمسؤولية : مسؤولية الفرد (ومعه الجماعة )عن مختلف سلوكاته ومواقفه وهذا يفترض هو الآخر وعيا اجتماعيا ومواطناتيا عميقا والحقوق والحريات المنصوص عليها عالميا تضمنها أول ما تضمنها الدولة القوية بديمقراطيتها وتعدديتها الحقيقية… بل قد يرى الكثيرون أن الدولة لا يمكنها أن تذهب أبعد مما هو عليه حال الشعب فعليا وواقعيا ، سألوا صولون فقيه اليونان الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد ، عن أفضل الدساتير فأجاب : قل لي لأي شعب سيعطى وفي أي زمن ؟…


التطرف يبدأ فكرا وينتهي ممارسة وعنفا في حق كل من نختلف معه ، التطرف يبدأ فرديا وينتهي عصابا جماعيا يودي بالبلد إلى الهاوية أوالحروب الأهلية في أحسن الأحوال وهي أبشع ما يمكن أن يتصوره الإنسان ، التطرف يستغل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والفترات العصيبة التي تجتازها الشعوب والأمم بما يطبعها من فساد واستبداد فيفرخ خلاياه ويخترق نسيج المجتمع وحينئذ تقع الكارثة إذ يصبح الاستثناء قاعدة وأغلبية ويتراجع صوت العقل والمنطق لينعزل أصحابه في أقلية أو تكاد ….اليمين المتطرف يلتقي في نهاية المطاف مع اليسار المتطرف ( كنا نصفه بالعدمي أيام النقاشات الحامية بالجامعة وواضح أنه غير بعض رؤاه ومفاهيمه أخيرا ) فكلاهما لا يؤمنان بالحق في الاختلاف وتعدد الآراء والمواقف ويعتمدان الحقيقة المطلقة هذا الكلام ليس من بنات أفكاري وإنما هو للزعيم الفيتنامي الشهير هوشي منه ….


لقد اعتمد هتلر وحزبه النازي على خطاب شعبوي متطرف مليء بالأكاذيب والأوهام فأودى ببلده والعالم إلى أتون حرب كونية لاقت فيها البشرية أهوالا وآلاما لا زالت آثارها مستمرة لحد الآن ، وراح ضحيتها ملايين الناس حتى إنها خلفت أزمة عميقة في الضمير البشري نجم عنها تأسيس منظمة الأمم المتحدة لتلافي الحروب والصراعات والبحث عن أسباب السلام بين الأمم والشعوب ..


أشعلت التيارات المتطرفة حربا أهلية ضروسا خلال حقبة التسعينيات في الجزائر لأنها كانت جوابا مقلوبا على الأزمة أدت إلى هلاك ما يزيد عن 100000 جزائري وجزائرية ولا زال ميثاق السلم الذي وضعه بوتفليقة هشا بهذا البلد ، الحرب الأهلية في السودان أدت إلى تمزيق البلد وتحوله إلى دولة فاشلة وكذلك الصومال ونيجيريا ومالي في الطريق ، عشرات الألوف راحوا ضحية الصراع الاثني والعرقي والديني والطائفي بالبلقان ولبنان والباكستان وأفغانستان ، ناهيك عما يحدث حاليا بالشام الجريح والعراق المحتضر …


لنتجاوزجميعا من فضلكم التعصب المقيت والتطرف في الأفكار والمواقف في إطار احترام رأسمالنا الرمزي الجماعي الذي يمدنا بطاقة من القيم الرفيعة والتي بتنا نفتقدها كل يوم بفعل زحف العولمة المتوحشة ، ثم احترام بعضنا البعض والإقرار بحق الاختلاف ، ولنرفع لواء الحرية المسؤولة من أجل التنمية والتقدم ورفعة الوطن ولا شيء آخر أما مصادرة الفكر ( أي فكر ) وتحت كل الحجج فلن ينفع الوطن في شيء ، فضلا عن أنه سلاح قديم ثبت عقمه في كل المراحل التاريخية .


* كاتب / فاعل مدني



إلى دعاة التطرف .....رفقا من فضلكم

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire