lundi 29 juillet 2013

الداغور: الدولة جعلت من منطقة آيت وراين تازمامارت كبيرة مفتوحة على السماء

حاوره: يوسف لخضر

1- مرحبا بك، نود أولاً أن نعرف من هو محمد الداغور؟

شكرا لكم، وشكرا لكل من يقرأ هذه الجريدة

يصعب علي أن أعطي بطاقة تعريف شخصية ما دمت في بدايات مسيرتي المهنية والعملية والفاعلية، ما يمكن أن أقوله عن الداغور هو أحد أبناء آيت وراين من آيت علي بدوار عين علا تيبخباخين، غير بعيد عن بلدة أهرمومو، مُنتج تلفزيوني مدير ومؤسس شركة نوميديا للإنتاج، مناضل أمازيغي وفاعل في بعض منظمات وجمعيات المجتمع المدني وطنيا ومحليا، ميال إلى الهدوء في الحياة وإلى الشعر الورايني لجمعه والتغني به في الملتقيات أو مع زوجتي وعائلتي وأصدقائي،  أحاول أن أجعل من شعر آيت وراين أداة للترفيه على الذات المليئة بالمشاق والهموم خاصة في مدينة كالدار البيضاء.

2- ماذا عن مسيرتك الدراسية؟

لم يسبق لي أبداً أن ذهبت صباحاً إلى المدرسة وفي محفظتي خبز أمي لأنني كنت منذ السن الخامسة قد أُخذت ء رغما عن والدي حفظه الله ء إلى أخوالي الذين تكلفوا بإدخالي إلى مدرسة المهدي بن تومرت بالصميعة، لأن أبي لم يكن مؤمناً تماما أن المدرسة المغربية قد تضيف شيئاً لأبنائه وبالتالي فهو كان مُعارضاً بشكل نهائي لتعليم أبنائه في مدرسة تعلم للأطفال أسماء الحيوانات بالعربية، وكان يُفضل أن يتعلم أبناؤه الرعي لأنه كان يتوفر على قطيع يضم حوالي 500 رأس، وفعلاً علمني هذه المهنة في بدايات عمري –  الرابعة ء  في أدرار في سفوح بويبلان وتيموياس بنواحي أهرمومو. في الواقع أحتفظ بذكريات سارة وأخرى غير سارة عن تلك المرحلة، مرحلة الطفولة التي من المفروض أن تكون طفلاً مدللاً يبحث عن أجزاء لعبه في غرفة نومه وليس رجلاً صغيراً يفكر أين سيجد الرعي لغنمه في فجر الغد.

أستطيع القول إن العائلة كانت إلى حد ما إقطاعية بالمفهوم البسيط لمعنى الإقطاعية عائلة ممتدة (جد، أبناء، حفدة، زيجات الأبناء ضيوف أراضي وعمال).

على كل حال أخذني جدي علي الخطابي  من الأم ء شفاه الله – بطلب من جدي من الأب ء رحمه الله ء لتهريبي من وراء “تيحلابين” إلى قاعة التعلم بين سيدي بوعيسى والصميعة، وأغتنم الفرصة لأن أتقدم بشكر خاص وحار إلى سكان تلك الدواوير الذين ساعدونا لإتمام المرحلة الابتدائية بنجاح وهدوء، ولرفاق الأقسام الابتدائية الذين شاركوني حلاوة التحصيل والضربات المؤلمة للمعلمين، كما أتوجه أيضاً بالتحية والشكر للمعلمين إن كانوا أحياء وإن ماتوا رحمهم الله،  الذين لازلت أتذكر أسماءهم: اليوسفي، عبروق، فاطمة عبروق، المومني، الابراهيمي، أمقران….. بن داداش، كل واحد من هؤلاء له طريقة خاصة في العقاب معروفة في أوساط التلاميذ، لكن كان للتحصيل العلمي آنذاك طعم خاص رغم مرارته.

وبين أزقة تاهلة الغالية تابعنا أطوار الاعدادي والثانوي وكانت تاهلة أول ”مدينة” أزورها بعد الزراردة أو بالأحرى سوق نـ إزرودن يوم الثلاثاء والإثنين بأهرمومو.

في تاهلة اكتشفنا كوفية فلسطين ورسومات حنظلة وأمريكا عدوة الشعوب وكنا نسمع الوحدة العربية والنضال العربي المشترك من رفاق سامحهم الله أضاعوا عنا وقتاً مهماً للاهتمام بشؤوننا المحلية عوض الأحلام الطوباوية المغلوطة مثلهم في ذلك مثل ثلة من الظلامين يستدرجون في ظلام الليل شباب تاهلة إلى غرف يقولون عنها إرشاد وموعظة.

ومنذ المرحلة الثانوية كنت أهتم بالشعر الأمازيغي الورايني وبسماع الأحاجي (تينفاس) وهنا بدأت أسئلة الهوية والانتماء والخصوصية والاختلاف تُطرح بشكل ما في مخيلتي.

وفي نهاية 1995 التحقنا بركب النضال الرفاقي الاندفاعي بظهر المهراز فاس بشعبة الفلسفة وعلم الاجتماع، وشاركنا وناضلنا وتعلمنا معاني مهمة من قاموس السياسة والمكر الايديولوجي، لأجد نفسي بمعية العديد من الطلبة في أحضان الحركة الثقافية الأمازيغية.

3- تشتغل منذ مدة بشركة للإنتاج وتعد برامج للقناة الثامنة تمازيغت، هل لك أن تتحدث قليلاً عن طبيعة عملك؟ وكيف تشتغلون؟

بعد أن تركت مجال التدريس كمدير تربوي بإحدى المؤسسات بالدار البيضاء أسست شركة نوميديا للإنتاج لإنتاج برامج خاصة بالأمازيغية أو حولها لأننا كنا نرى نقصاً كبيراً (بحكم احتكاكي بمجال السمعي البصري منذ سنة 2001) في الإنتاج الأمازيغي وكنا داخل الحركة الأمازيغية لا نبارك طبيعة البرامج التي تُنتج حول هذه الثقافة وهذه اللغة لطبيعتها الفلكلورية والشعبوية.

كنت أدرك صعوبة المهمة واعتبرتها تحدي شخصي ونضالي حاولت أن أجعل من خلق مقاولة صغيرة فضاءً للإبداع الفني والفكري لكل الأطر الفاعلة والمهتمة بالأمازيغية.

4- ولماذا هذه التسمية: نوميديا؟


كثيراً ما يطرح عليّ هذا السؤال، ببساطة نوميديا لها رمزيتها التاريخية والحضارية والهوياتية الأمازيغية كما لها معنى مهني ميديا  التي أقصد بها تقريبا إعلامنا، وأتمنى أن تكون مساهماً في دمقرطة وتحسين أدائنا الإعلامي الوطني. كما تحمل دلالات عاطفية أيضا فنوميديا كلمة لاتينية الأصل تعني الرحل وأنا أنتمي إلى قبيلة تعتبر تاريخيا من الرحل (يضحك).

أما كيف نشتغل: فكما تشتغل باقي الشركات العاملة في نفس الميدان، الإعداد فالتصوير والمونتاج. صحيح أن إعداد برامج تعليمية أمازيغية تتطلب الكثير من الحيطة والحذر لكون اللغة في طور البناء والمعيرة والتهذيب إلا أننا والحمد لله تمكنا في ظرف سنة من التمكن من خلق جمهور واسع يتابع برنامج “أورا أد نلمد تمازيغت” (يبث يومي السبت والأحد) وأوال إينو (يومي5/7) و تم تكريمنا من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2012، ونؤمن بمعية الفريق الذي أشتغل معه أننا على الطريق الصحيح، ما نتمناه كمنتجين أن يتم تصحيح مسار  المجال السمعي البصري في بلادنا لإبعاد لوبيات الفساد عن محيطه لكونه البعد الأساسي  الذي من خلاله نسوق وجه الوطن وهويته وتاريخه ومستقبله أيضاً.

5- ألإعلام الأمازيغي دائما ما يرتبط بسؤال حول اللغة المستعملة والمتتبع مثلاً لبرنامج “أورا أد نلمد تمازيغت” يلاحظ حضور اللهجة الوراينية بشكل أقرب إلى المعيارية هل ذاتيتك حاضرة في البرنامج أم ماذا؟

في الحقيقة كنت صاحب فكرة برنامجي “أورا وأوال إينو ” وتوتلايت إينو التي تنتجه شركة نبيل عيوش.

أنا من الاشخاص الذين يدعون إلى تجاوز مسألة اللهجات أو الفروع لأنها جانب عرضي لا ينبغي أن يأخذ منا الكثير من الوقت – رغم أنني أتكلم وأتفاعل مع جميع فروع اللغة الأمازيغية بالمغرب وخارج المغرب أيضاً ء،  فالأمازيغية واحدة بغض النظر عن الفرع اللغوي المستعمل، وللأسف فهذا الموضوع شكل نقاشاً غير ممتع  في لحظة تأسيس القناة الثامنة تمازيغت، حيث تم اعتبار سيطرة فرع  تاشلحيت على التلفزيون، والواقع وللأمانة فأمازيغيو الجنوب راكموا طيلة 30 سنة تجربة جد محترمة مقارنة مع أمازيغيي الشمال باستثناء الإبداع المسرحي ونكاد نجزم بغياب تام لعمل سينمائي أو تلفزيوني بوسط البلاد لأسباب موضوعية أكثر منها ذاتية.

أما عن لهجة آيت وراين كما سميتموها فهو فرع غني جداً بالكلمات والتعابير وفي اعتقادنا لهجة ايت وراين وآيت يزناسن أقرب إلى المعيارية مقارنة بريفية إقليعين مثلا التي يعتبرها الاعلام المغربي اللهجة التي تمثل فرع تاريفيت. ولسوء حظ آيت وراين فهي منطقة الالتقاء والانتقال بين الأطلس والريف وبالتالي خارجة عن اهتمامات خبراء الإركام كما خرجت عن اهتمامات أبنائها قبل ذلك بكثير.

وتتذكرون في إحدى اللقاأت بتاهلة قبل عام طرحت السؤال: ماذا أنتجنا بلغتنا كي نستحق احترام واهتمام الغير بنا في المسرح، في الكوميديا، في الرواية والقصة والأدب عامة في سيناريوهات السينما والإبداع الفني بكل تفاصيله. إذا استثنينا إيزلان إمديازن في الحفلات والأفراح والمناسبات المختلفة، فلا نُردد إلا الشعارات المؤيدة لقضية فلسطين والشيشان والعراق – مع احترامي للإخوة المؤمنون بأولوية هذه المواضيع على قضايا وطنه – هل نظمنا مثلاً مهرجاناً قوياً إشعاعيا يليق بتاريخ وهوية تاهلة؟ هل أسّسنا لفرقة موسيقية أو مسرحية هاوية أو رائدة؟ هل منا من كتب قصة من 20 صفحة باللهجة المحلية أو رواية أو مخطوط يُؤرخ به لعائلته ولقبيلته؟ لك أن تتصفح صفحات أبناء تاهلة على المواقع الاجتماعية بأية لغة يكتبون؟ اجلس في مقاهي تاهلة كي تكتشف أن أمازيغية آيت وراين وآيت سغروشن وإغزران ستمحى من الوجود في الجيل الحالي، يعني أننا في ظرف 20 سنة المُقبلة سنكون أمام منطقة معربة 100/100. وإن لم تصدقوني اسألوا أبناءكم عن معنى كلمة: “مَانْوَا تِيزَمّار؟ ما نوا تيزممار ؟” (كيف الحال بأمازيغية آيت وراين)، بماذا سيجيبك؟

فتحية إلى أساتذتنا احمد وهلال وبلقاسم الورضي اللذان أسسا لمدرسة الشعر الأمازيغي المحلي، وإلا سيصعب علينا ذكر آيت وراين في هذا البلد مثل فجيج مثلا الغائب تماما من أجندة الفاعلين الأمازيغ حتى الجمعويون منهم.

وحتى وإن نظمت جمعية ما لقاء ثقافيا أو فنيا تملأ القاعة بأساليب اللغة العربية الفصحى تحيلك إلى خطبة دينية موجهة إلى الأمازيغ وهم لا يفقهون في الخطاب غير كلمات معدودة ومحدودة.

ومع ذلك أؤمن أن آيت وراين خزان للطاقات الفنية والفكرية والثقافية لو أنها تستثمر في الاتجاه الصحيح الذي يخدم مصلحة الثقافة واللغة والتاريخ الورايني.

وأحيلك بالمناسبة على  بلدية تافراوت بتيزنيت: بلدة أصغر من تاهلة في كل شيء – جغرافيا و ديموغرافيا ء  وتنظم كبريات اللقاأت في المغرب واشتغلوا منذ ما يناهز 40 سنة على تنمية قراهم ومداشرهم: طرق معبدة، كهرباء، ماء صالح للشرب، تأثير في القرار السياسي والوطني وفعالية في كل المجلات وأولها الاقتصاد والتجارة، منطقة وسط الأطلس الصغير بعيدة عن الدار البيضاء ب 800 كلم وموقع تاهلة أفضل بكثير من تافراوت لا من حيث قربها للناضور والحسيمة أو فاس وحتى الدار البيضاء وساعتين ونصف من العاصمة عبر طريق السيار، ولا أريد أن تقول لي أن منطقتنا لا تتوفر على مبدعين ومفكرين وفنانين موهوبون؟ كما لا أريد أن تنكروا معي أن الساسة المحلين يتحملون مسؤولية الأزمة الاجتماعية والثقافية بمناطق آيت وراين بـ: تاهلة، زراردة، مغراوة، كرسيف، بركين، أهرمومو، بوزملان… ولا أشك في كونكم تعرفون تماماً أن الدولة المغربية تريد أن تجعل من منطقة آيت وارين تازمامارت كبيرة لا تفتحها إلا إذا احتاجت للرجال المؤهلين للموت والقتال في حروب الصحراء.

6- قلما نجد برامج تلفزيونية أو وثائقية أو تغطيات حول منطقة تاهلة، ما السبب في ذلك؟

لن أبالغ إن قلت إن جغرافية آيت وارين جغرافية مثالية ومن أفضل مناطق الشمال الإفريقي ء تمازغا ء جبال سهول مغارات أنهار… جميع أنواع الأشجار والنباتات والحيوانات، بالإضافة بطبيعة الحال إلى مظاهر ثقافية وحضارية أنتجتها وأبدعتها المرأة والرجل الوراينيان…… هذا وغيره قد يعتبر إغراءً للمخرجين والمنتجين والسينمائيين لو تم تسويق مؤهلات المنطقة بشكل محترف.

شخصيا أود تصوير أعمال وثائقية وسينمائية في المنطقة وحولها في السنتين المقبلتين وحاليا مُنكب على البحث عن شركاء لإنجاز ذلك. ومن خلال منبركم أطلب من كل الأطر المحلية أساتذة وفنانين ومبدعين لاقتراح أعمال سينمائية وتلفزية وسأتفاعل معها بشكل إيجابي. كما أقترح على الرفاق في الجمعيات المحلية بتاهلة والزراردة وأهرممو ومغراوة وكرسيف خلق خلايا مسرحية للبحث عن مواهب فنية للعمل في مثل تلك الأعمال وتنظيم دورات تكوينية لصالح أبناء منطقتنا.

أما ما عبرتم عنه بتغطيات حول مناطقنا فأتذكر أنني صورت ما يناهز 30 حلقة لصالح القناة الأولى حول المنطقة وباللغة المحلية سنة 2006/2007. وكنت أول من صور مع الشاعرين الكبيرين أوهلال والورضي وشعراء وأساتذة آخرين. ولكن مع ذلك أقول إن علينا أن نكون إيجابيين فيما بيننا لتوفير شروط العمل المشترك وأن نتجاوز الأنانية والأحكام المسبقة ونكون “إرقاسن ن تمورت نّغ” بمعناها الديبلوماسي المحض.

7- يُحسب لأهل سوس مبادرتهم إلى إنتاج أفلام كثيرة تؤرخ لأسماء طبعت التاريخ بالمنطقة وباللهجة السوسية، وهي بادرة لاقت نجاحا واستحسانا وتلقى دعم من الخواص في ظل شح الدعم العمومي، كيف تنظر لهذه التجربة وكيف تقيمها؟ وما السبيل إلى إرساء تجربة مماثلة محلية بمنطقة تاهلة؟

لقد أشرت إلى هاتين النقطتين أعلاه وأضيف نقطة أساسية أرى أنها إجرائية ما دمتم انتبهتم إلى هذا الفراغ وهو بكل صدق طموح مشترك، تعالوا للجلوس لنقترح ونبحث سبل إنجاز وتطوير العمل الإعلامي بالمنطقة لتشجيع الاستثمار في هذا الاتجاه. علينا أن نقر أن المجالس المنتخبة لم ولن تنتج إلا الكلام الأجوف العديم.

فالتضامن بين أبناء سوس فنانين وممولين ومنتجين بالإضافة إلى الاخلاص والصدق والتحدي والصبر هو ما ساعدهم على الاستمرار والإنتاج. واشتغلت معهم طويلاً وأؤكد أنه بإمكاننا تأسيس لتجربة أفضل على أرضية واضحة.

8- كيف ترى الإعلام الأمازيغي خصوصا القناة الثامنة؟ وهل ترقى إلى مستوى تطلعات المغاربة خصوصاً في ظل دسترة الأمازيغية في الدستور؟

بغض النظر عن الصحافة الأمازيغية الورقية التي يطبعها النضال أكثر من الاحترافية والمهنية والتخصص، يحظى الإعلام الالكتروني بوضع مُتميز وحامل لهمّ نضالي ورسالة نبيلة تقاوم التهميش والاحتقار الذي تعيشه الأمازيغية منذ عقود بفعل السياسة العروبية القائمة في أقطار شمال إفريقيا. أما القناة الثامنة تمازيغت التي انطلقت منذ 3 سنوات ونيف، فينبغي الإشارة إلى السياقات التي أفرزتها والبروسيس الوطني الذي دخلته الأمازيغية منذ خطاب أجدير سنة 2001 وإدماجها في التعليم منذ 2003 ودسترتها لغة رسمية سنة 2011 ولا أعتقد أن الفاعلين والمتتبعين للشأن الأمازيغي بكل مواقعهم راضين عن مأسستها بهذا الشكل لا في التعليم أو الاعلام أو الدستور أو في الحياة العامة، ولكنها قطعت أشواطاً مهمة في العشرية الأخيرة علينا استثمارها وصيانتها لانتزاع المزيد من مطالب المطلبية الأمازيغية وهذا دورنا جميعا كل حسب موقعه، فرغم اعتبار الأمازيغية لغة رسمية في الفصل الخامس من الدستور المغربي الحالي إلا أن إخراج القانون التنظيمي الذي سيفعل رسمية اللغة هو مدخل أساسي لتنميط النقاش العمومي حول الملف الأمازيغي.

9- تعالت الأصوات مؤخراً منادية بحذف عبارة “المغرب العربي” من الإعلام المغربي، في نظرك لما الإصرار على استعمال هذا المصطلح رغم أن الدستور نفسه حسم الأمر بعبارة “المغرب الكبير”؟

العبث والفوضى الفكرية والسياسية والإيديولوجية تتسبب للبعض في هذا الوطن العزيز في إقحام الرأس في الرمال للاستمرار في استعمال مصطلحات تناقض الواقع والقانون. كثيراً ما أطرح السؤال كيف للمساهمين في صياغة الدستور لايزالون متشبثون باستعمال مصطلح “المغرب العربي” وهم صاغوه بالمغرب الكبير.

علينا أن نجرم كل من يتشبث باستعماله وكتابته على يافطات المحلات التجارية والمؤسسات وعلى رأسها وكالة المغرب العربي للأنباء وإذاعة ميدي 1 والقناة الثانية وغيرها، وللأسف لازالت بعض المقاهي والمحلات التجارية بمنطقتنا تحمل هذا الاسم العنصري البائد أدعو أصحابها إلى تغييره بأسماء أكثر إيجابية وتعبيراً عن الذات والواقع.

10- لوحظ في السنوات الأخيرة ما يمكن أن نصفه اندثاراً للإعلام الأمازيغي المكتوب، فأغلب الجرائد أعلنت إفلاسها إلى درجة لم يعد هناك منشور حالياً، هل هو زحف الوافد الإلكتروني أم هناك سبب آخر؟

كما أشرت أعلاه فقد اندثرت تاسفوت وتامونت وإمزداي وتاويزا وتاماكيت وأمازيغ وتيفاوت وليبيكا … ولازالت جريدة العالم الأمازيغي تقاوم، وشخصيا كنت من المسؤولين في وقت سابق على إصدار جريدة تاسفوت لسان حال منظمة تاماينوت وأحس بجسامة وصعوبة المهمة وأظن أن رسالة هذه المنابر تم إيصالها واليوم على الاعلام الالكتروني أن يواصل المسار. والأسباب معروفة عند الفاعل وغير الفاعل في هذا المجال: غياب الامكانيات المالية، وتغليب الطابع النضالي على الاحترافية في الممارسة الإعلامية.

11- لنخرج من الدار البيضاء، ونرجع إلى مسقط الرأس إلى أقصى الأطلس المتوسط: منطقة تاهلة دوار عين علا. ما نوع الارتباط بينك وبين المنطقة؟

لا أتلذذ معنى الحياة ولا أحس بكينونتي إلا بين جبال آيت وراين، هواء بلدي يشعرني بالاختلاف والتميز والوجود، بعين عْلا يعيش والداي وعائلتي ولم أفقد الارتباط بمنطقتي أبداً، فأنا دائم التواصل ومتتبع لشؤون المنطقة والدوار والجمعية المحلية وأساهم في حل المشاكل حتى بين الأفراد والعائلات وهذا الوضع رغم أنه متعب وشاق إلا أنه ممتع وأرى أنه واجب، فما دامت هذه الأرض الطاهرة أنجبتنا فواجبنا خدمتها وتنميتها وأحلم باليوم الذي سأعود للعيش فيها.

12- ككل منطقة قروية في المغرب، تعاني منطقة آيت وراين بصفة عامة من هجرة الشباب والطاقات –وأنت واحد منهمء وهو ما يعبره البعض نزيفاً تتعرض له البادية بصفة عامة، كيف السبيل إلى جعل هؤلاء يعيدون الارتباط بالمنطقة من أجل المشاركة في تنميتها؟

للأسف فالسياسة المركزية التي انتهجتها الدولة منذ فجر الاستقلال في إطار ما يعرف بالمغرب النافع وغير النافع هو ما أبعد الشباب “المثقف” من مداشرهم وقراهم تبعاً للسياسة الأمنية التي تسلكها الدولة والحكومات المتعاقبة: تفقير البادية لصالح المدينة (وليس كل المدن). وحتى ما يسمى اليوم في المغرب بالجهوية الموسعة لا نعتقد أنه سيعيد الطاقات والأطر إلى أصولهم، لأن 55 سنة من الاغتراب والتهجير من البادية إلى المدينة أو منها الى الدول الأجنبية لن يعيد عقارب الساعة الى الوراء، وكنا في منظمة تاماينوت ومنذ 1995 نقترح التأسيس لنظام فيدرالي ديموقراطي حداثي في ظل وحدة الوطن، يتم خلاله توزيع عادل للثروة والسلطة والقيم، مغرب جديد يقتسم فيه المواطنون بكل جهاته السلطة في إطار برلمانات وحكومات محلية وتتكامل فيه الفيدراليات تحت أرضية التضامن والتعاون والتكامل… أما مغرب الأمس واليوم فينبني على نهب خيرات الجهات (معادن، ثروات زراعية، موارد بشرية …) لصالح لوبيات اقتصادية عائلية محدودة.

13- أنت رئيس جمعية محلية وفاعل جمعوي في منظمة تاماينوت وناشط حقوقي في المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، هل تدخل منطقتك ضمن برامج هذه الإطارات التي تشتغل بها؟

في الواقع كانت منظمة تاماينوت مدرستي الأولى في العمل الجمعوي والثقافي، لقد تعلمنا فيها منذ انخراطي في فرعها في أنفا سنة 1999 أدبيات العمل والنضال الأمازيغي. وفي مارس 2001 عملت بمعية أبناء دواوير عين علا والساقية وتيبخباخين وبمساعدة رفاق من جمعيات محلية بتاهلة والزراردة على تأسيس جمعية تينكري ن آيت وارين للتنمية والثقافة، شكلت منذ ذلك التاريخ رغم الاشكالات المادية مشعلاً يُضيء طريق السكان وأرضية للعمل التنموي واشتغلنا على العديد من المجالات: الصحة، التعليم، الزراعة، الصناعة التقليدية، الكهرباء المسالك الطرقية… وساهمنا بكل صدق على التقليل من معاناة سكان تلك الدواوير. واستطعنا رسم الابتسامة على شفاه النساء والأطفال. ولا زلنا نشتغل على مواضيع ومشاريع نتمنى أن ننجح في إنجازها.

أما في المرصد الذي ساهمت في تأسيسه بمعية مناضلين معروفين في الساحة الوطنية أمثال السيد حيتوس وعصيد ومريم الدمناتي وأقديم، فقد نظمنا بتنسيق مع جمعيتان محليتان بأهرمومو وتاهلة على تأطير ندوتين حول دستور 2011 وطالبنا بعريضة موقعة من قبل السكان والتنظيمات المحلية على إعادة اسم أهرمومو عوض التسمية الحالية. كما تابعنا بشكل مباشر بتاهلة نفسها إشكالية أراضي الجموع والسلالات والقبائل بتنسيق مع جمعية تيشلي ومع رئيسها رحمه الله صديقنا وأخونا قيد حياته محمد أزندور (وبكل صدق أقول إن تاهلة فقدت في ذلك الشاب طاقة كبرى لأني أعرفه أكثر من غيري في مجال العمل الجمعوي).

تبقى منطقة آيت وراين منطقة دائماً حاضرة في مساري النضالي بل وحتى المهني وأحلم بيوم سنرى فيه آيت وراين من كبريات المناطق في المغرب على مستوى مشاريع سياحية عالية، ولنا إمكانيات ليس أقل من غيرنا لجعل بويبلان منتجع سياحي ضخم كما لنا باب بويدير وغابة تازكا ومغراوة وسهل زلول وهضبة أهرمومو وسد إيناون (تسميه الدولة المخزنية مولاي ادريس ونحن هاهنا نتفرج)، أتعلم أن منطقة تيسروين قد تصلح لكي تكون هوليود مغربي خالص لو أن طاقاتنا متماسكة ومؤمنة بإمكانياتها.

واختارنا للجمعية المحلية اسم تينكري ن آيت وراين لاستفزاز مشاعرنا وإمكانياتنا، لأن السؤال الأول هو: ملمي غرا كرن آيت وراين زك إيطس؟ (متى سيستفيق آيت وراين من السبات) وأدعوكم لزيارة مقر الجمعية لتقفوا على كل الإنجازات التنموية وعلى حجم الإنتظارات.

14- يشهد الجميع على التهميش الذي تعيشه المنطقة من تاهلة مروراً بالزراردة حتى أهرمومو، وهو تهميش يصفه البعض بغير العادي، ما رأيك؟

رأيي هو الرأي السائد لدى كل المغلوبين على أمرهم بالمنطقة. إننا نؤدي ثمن إخلاصنا للوطن، أجدادنا قاوموا الاستعمار الفرنسي وأخرجوه مدلولا من أراضيهم، أعطوه على طبق من ذهب لآل فاس والرباط وأُخرِج أبناء مُحند أحمو الورايني من حسابات العاصمة إلا إذا احتاجوا لرجالات للموت في الصحراء وطول الحدود المغربية الجزائرية والاسبانية والموريتانية وعلى الشريط الساحلي الشمالي والغربي. ماذا ربحنا بعد أكثر من 50 سنة من الاستقلال. حتى الانقلاب العسكري لمدرسة أهرمومو سنة 1971 لم يقم به آيت وراين أو إغزران أو آيت مشود. بل قام به رجالات الدولة أنفسهم وفرض حصارا على المنطقة وأهاليها التي لم تتورط في التخطيط لقلب النظام الملكي. وتغير اسم أهرمومو إلى رباط الخير – ومنذ ذلك الحين انقطع الخير من تلك البلدة – في اعتقادي كان من المفروض أن يتم تغير اسم الصخيرات التي وقع فيها الانقلاب والقتل وليست أهرمومو التي انطلق من مدرستها العسكرية، إثر ذلك خرجت المنطقة من حسابات الحكومات والدولة في كل شيء. بعد 42 سنة من محاولة الانقلاب لاعبابو ومن معه زار محمد السادس سنة 2013 أولاد مكودو ومرّ محاذيا من مدرسة أهرمومو ولم يزر القرية. في الوقت الذي كان سكان أهرمومو يتمنون أن يزور أهرمومو لرفع الحصار المضروب على المنطقة.

لكم أن تُلاحظوا شوارعكم وادخلوا مؤسساتكم وتجولوا بأسواقكم اكتشفوا مستشفياتكم ومدارسكم خذوا سيارتكم بين أهرمومو وتاهلة وبين تاهلة وتازة عبر باب لوطا أو عبر تازارين اصعدوا لقمة بويبلان لتعرفوا ما معنى أن ترضى لنفسك بالعيش في هذه الظروف وأن تكون وارينيا حرا لا يقبل الاستسلام.

15- كلمة أخيرة

الكلمة الأولى والأخيرة هو الاعتراف بأننا لنا الحق في العيش في أمان وسلام فوق هذه الأرض، وتنمية دواويرنا وقرانا ومدننا وتحفظ ذاكرتنا الجماعية وتحترم لغتنا وثقافتنا، لهؤلاء الأهالي الحق في العدالة والكرامة، للفنانين والمبدعين، لقدماء الجيش، للفاعلين الجمعويين، للمرأة الوراينية الجادة ولها ألف تحية واحترام لكل هؤلاء أقول بحب وصدق:

هذه أرضنا لن نتنازل عنها

ولكم أقول إنني بجانبكم وبينكم ومعكم

ودمتم أوفياء لروح محند أوحمو

تودرت إتمازيغت

تامازيغت إ تودرت

شكراً لكم ونتمنى لك ولطاقم تحرير هذا الموقع مساراً إعلامياً ونضالياً ناجحاً.



الداغور: الدولة جعلت من منطقة آيت وراين تازمامارت كبيرة مفتوحة على السماء

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire