samedi 27 juillet 2013

التاريخ كما ينبغي ان يقرﺃ ...

شهدت المملكة المغربية في اﻷسبوع اﻷخير زيارة العاهل اﻹسباني خوان كارلوس للمغرب في ﺇطار تمتين العلاقات بين البلدين والتشاور بخصوص العديد من نقاط التعاون المشترك ، سواء في المجال اﻹقتصادي ﺃو السياسي ، وكلما حل ضيف من الجارة الشمالية ﺇلا وطرح موضوع في غاية الحساسية بالنسبة للبلدين ، ﺇنه الموضوع الشائك المؤرق الذي استمركابوسه ﻷكثرمن خمسة قرون و تحديدا منذ سنة 1415 ميلادية ، تاريخ احتلال مدينة سبتة و من بعدها امليلية .

في كل زيارة سواء لمسؤولين ﺇسبان للمغرب ﺃو العكس ، يطفو هذا الموضوع على السطح ، والكل يتحدث همسا حول ﺇمكانية فتح هذا الموضوع مع الجارة الشمالية المتعنتة ، لدرجة ﺃنه في المراحل اﻷخيرة ﺃصبح هذا المشكل من المقدسات بالنسبة للمملكة اﻹسبانية ، في حين ﺃنها لا تتوقف عن المطالبة باسترجاع منطقة جبل طارق من انجلاترا ، حقيقة نستغرب لهذا المنطق ، ولكن لو عدنا للتاريخ ء ذلك ﺃننا ﺇزاء مشكل ﺃصله تاريخي ء وﺃعملنا العقل ،لطرحنا السؤال على الشكل التالي ، ﺃلم يكن من الممكن ﺃن يحل هذا المشكل دون الحاجة ﺇلى مطالبة ﺇسبانيا اليوم باسترجاع المدينتين التي تقابل بامتناع شديد  ؟ بل ﺃكثر من ذلك ﺃلا يعتبر هذا موضوعا يغذي ﺃوهام الهيمنة اﻹسبانية على العالم و العظمة التي كانت تعيشها المملكة في نهاية العصر الوسيط ؟

للاجابة على هذا السؤال،  ما علينا ﺇلا ﺃن نقرا تاريخنا و نعرف اﻷخطاء التي ارتكبها من سبقونا ، تلك اﻷخطاء التي كانت سببا في هذا المشكل وغيره من المشاكل التي نعاني منها على جميع المستويات ، وفي هذا الصدد ولفهم حيثيات الموضوع ينبغي معرفة السياق التاريخي لاحتلال المدينتين ، فالكل يعلم ﺃن هذا اﻹستعمارياتي في سياق ما عرفه العالم بداية العصر الحديث من محاولة ﺇسبانيا و البرتغال اكتشاف طرق تجارية جديدة من ﺃجل الوصول ﺇلى منابع التجارة الشرقية بالهند ، نتيجة لتحكم العرب المسلمين في الطريق التجارية بالشرق اﻷوسط بعد بسط نفوذهم على هذه المنطقة، وخصوصا بعد فشل الحملات الصليبية التي كان ﺃساسها اقتصادي محض ، مغلف بلبوس ديني ، وتحديدا ﺇذا فهمنا ما تمثله منطقة الشام  بالنسبة لهذه التجارة العالمية ﺁنذاك ، من ناحية ﺃخرى يعتبر احتلال مدينة سبتة في سنة 1415 ميلادية رد فعل هجومي و انتقامي على المسلمين الذي احتلوا اﻷندلس فيما سبق،  وكانوا يشكلون خطرا على السواحل الاندلسية الجنوبية في ﺇطارعملية ما كان يسمى بالجهاد البحري بعد طردهم بعد حروب اﻹسترداد وﺃيضا ما كان بعرف بمحاكم التفتيش ، ﺇذن لم يكن من حل ﺃمام وقف هذا الزحف المضاد ﺇلا احتلال الثغور المغربية ابتداء من سبتة سواء من طرف ﺇسبانيا ﺃو البرتغال ، وبطبيعة الحال تقليم ﺃظافر المسلمين الذين تجرؤا على فتح اﻷندلس،  وهو ما سيستمر حتى طرد ﺁخر ﺇمارة بغرناطة سنة 896 هجرية الموافق ل 1492 ميلادية ، كل هذه الظروف تزامنت مع وجود قوة مركزية ضعيفة تمثلت في نهاية الدولة المرينية و بداية الدولة الوطاسية التي كانت غارقة في مشاكلها السياسية الداخلية و الخارجية ، اﻷمر الذي استدعى ظهور قوة عسكرة جديدة ، وحكما مركزيا قويا قادرا على وقف هذا الزحف و ﺇعادة توحيد البلاد ، وهذه القوة لم تكن ﺇلا الدولة السعدية .

هنا يرجع سؤالنا ﺇلى الظهورعلى السطح من جديد ، ﺃلم يكن في استطاعتنا تحرير ثغري سبتة و امليلية قبل اليوم ؟

بنظرة صغيرة ﺇلى تاريخ المغرب مرة ﺃخرى ، وبالغوص في المصادر التاريخية والمراجع و الدراسات الاكاديمية فاننا سنجيب بسهولة على هذا السؤال ، هنا ﺃعود معكم ﺇلى حدث تاريخي بارز، ومفخرة مغربية الكل يفتخر بها ، ﺇنها معركة واد المخازن ، فهذه المعركة قد تسببت في جرح عميق لكبرياء الدولة البرتغالية،  بل كانت سببا في زوال حكم سلالة “  الدون سباستيان ” ، وقد اكسبت المغرب صيتا و سمعة دوليتن ، هنا نعود ﺇلى موضوعنا السابق ، ﺃلم يكن في استطاعة الدولة السعدية استرجاع مدينة سبتة و امليلية ، و توفير علينا مشقة المطالبة المستمرة في استرجاع ﺃرضنا المستلبة ، بطبيعة الحال فان الجواب واضح ، ذلك ﺃن الهيبة التي اكتسبها المغرب بعد انتصاره في هذه المعركة ، كانت قادرة على مساعدته في تحرير جل ثغوره،  بل اﻷكثر من ذلك ﺇعادة استعمارالجارة الشمالية اتقاأ لشرها فيما بعد ، ولاحظوا ﺃننا هنا نتحدث بمنطق عسكري استراتيجي بعيدا عن الفتح والجهاد و ما يرافقه من بعض الكلام ذو الصبغة الدينية ، ذلك ﺃن ﺃي صراع في العالم منذ بدء الخليقة هو صراع اقتصادي محض ، وبطبيعة الحال يغلف بلبوسات دينية وفي بعض اﻷحيان حضارية ء الاستعمار الفرنسي و اﻹنجليزي نموذجا ء فالمنطق اﻹقتصادي هو الدافع الحقيقي وراء ﺃي صراع ، فلو فطنت الدولة السعدية ﺇلى حجم المشكل وما له من تبعات استمرت بعدها بنحو 600 سنة ، فانها ستدرك حجم الفرصة التاريخية التي ﺃضاعتها بعدم ﺇدراكها للحسابات العسكرية و السياسية التي خلفها هذا الانتصار التاريخي .

ﺇن الحديث عن ﺃخطاء الماضي التاريخية ، تلك التي ساهمت وتساهم في العديد من المشاكل التي نعاني منها في وقتنا الحالي و التي نؤدي ثمن تبعاتها ، كفيلة بتجنيبنا تكرار نفس اﻹخفاقات التي راكمناها لقرون ، وفي اعتقادي الراسخ فان سبب تخلفنا يكمن في تكرارنا لنفس اﻷخطاء خصوصا في المجال السياسي ، وذلك راجع ﺃساسا ﺇلى كوننا كائنات ليست تاريخية ، فكل اﻷمم تسعى ﺇلى معرفة تاريخها و الحفاظ عليه ، ﺃما نحن فقد ارتكبنا الجرائم وما زلنا نرتكبها في حق تاريخنا الحديث ﺃو الوسيط  بل وحتى القديم ، فاسوارنا التاريخية ﺃصبحت مراحيض عمومية مفتوحة ، ﺃعتقد ﺃنه من العار ﺃن نشاهد كيف يطمس تاريخنا من طرف ﺃناس لا يعرفون تاريخ بلدهم ، ﺃظف الى ذلك ما يرتكبه سماسرة العقارات في حق تراثنا التاريخي الحضاري ، فاذا كانت هناك دول تسعى جاهدة للبحث و التنقيب عن تاريخها بل واﻹستلاءعلى تاريخ غيرها و اغتصابه وهنا نتكلم تحديدا عن ﺇسرائيل و الولايات المتحدة اﻷمريكية ، فاننا بتاريخنا الضارب في ﺃعماق التاريخ الذي يعود الى العصور الحجرية بالنظر للقى الاثرية بكهوف العديد من المناطق ،  ملزمين بصونه و الحفاظ عليه جميعا ، سواء كدولة ﺃو كمجتمع مدني .

في النهاية ﺃقول ﺃن من ليس له تاريخ ليس له حاضر و لا مستقبل ، ومن هذا المنبر ﺃدعوا الجميع ﺇلى اﻹطلاع على تاريخه ، و القطع مع تلك العقلية السائدة التي تميز عالمنا المتخلف والتي تعتبر العلوم اﻹنسانية مثل التاريخ و الفلسفة و علم اﻹجتماع من المواد الادبية التي لا يدرسها ﺇلا الفاشلون ، ﺇن الفاشل الحقيقي هم ﺃصحاب هذه النظرة و التي سببها ﺃيضا هو الجهل بتاريخ اﻷمم و الشعوب ، ﺇذ يعتقد ﺃصحاب هذا الرﺃي ﺃن تقدم ﺃوربا و الغرب مرده ﺇلى علوم الرياضيات و الفيزياء و الذرة ، ولكن يا سادة عليكم ﺃن تعرفوا ﺃن تقدم الغرب سببه العقل و الفكر كالفلسفة و اللاهوت و التنوير ، فبعد الحسم مع السياسة وما فيها من صراع كفصل السلط و حقوق اﻹنسان و المواطن و الكرامة ، جاءت بعد ذلك العلوم الحقة كالفيزياء و الرياضيات و البيولوجيا و غيرها و التي كانت تتماشى جنبا ﺇلى جنب مع الفلسفة ، والدليل على ذلك ﺃن الثورة الصناعية وما عرفته من اختراعات ، كانت عاملا في ظهور النظريات الفلسفية والاقتصادية  كالاشتراكية و الشيوعية ﺃو الرﺃسمالية و الليبرالية ، فالجهل بالتاريخ كفيل بحرماننا من هذه الوسائل التي لن تساهم ﺇلا في فهم واقعنا و واقع من سبقنا


خالد رحموني



التاريخ كما ينبغي ان يقرﺃ ...

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire