samedi 19 octobre 2013

نحر أم انتحار

مع اقتراب عيدا الأضحى، يصبح الهام الشاغل للسواد الأعظم أو لمعظم الأسر المغربية هو الحديث عن الكبش، وتصير معظم الحوارات منحصرة في هذا الموضوع ،مع أن هناك مسائل بغاية الأهمية يتم إقصاءها وتهميشها، ولا ربما إغفالها.

ونظرا للعقليات السائدة في أوساطنا المغربية،أضحى الكبش ضرورة يجب توفيرها مهما كانت الظروف والأسباب.

ولعل المشكل الأساس يكمن في المرأة، فالمرأة في مجتمعنا ولا أقصد التعميم تلح على ضرورة

أن تكون الأضحية ملائمة لمقامها حتى تُضاهي بها جاراتها،أو لاعتبارات أخرى لا يسمح المقام بالتطرق إليها هاهنا.

فيضطر الزوج إلى الاقتراض ،والبعض الأخر تؤدي به حماقات الزوجة المسكونة بأوهام مريضة إلى بيع أثاث منزله لتوفير الأضحية وووو…

كثيرة إذن هي مآسي العيد،وقليلة في الآن ذاته فرحته،بينما ينشغل البعض بتوفير ثمن الأضحية،وبالاستعدادات المُصاحبة لهذه المناسبة يستعد البعض الآخر للعودة إلى مدينته التي غاب عنها طيلة السنة،أو لبعض الوقت لظروف العمل،أو الدراسة…

إذن يقترب العيد،وتمتزج الأفراح بالأتراح،وتزدان الأسواق بما لذ وطاب،فيصبح حديث الشارع كله منصبا على الأجواء العامة التي تحكم سوق الأضحية ،وبين هذا وذاك يستعد الغائبون عن مدنهم ،وعن قُراهم كما أسلفت للعودة وأية عودة ؟؟ !.

ربما قد يتساءل بعضكم عن طبيعته،ولا ربما قد يعتبرها الآخرون عودة عادية، في حين كثيرا ما تنقلب هذه العودة إلى مأساة وفاجعة كُبرى، تنسي هؤلاء وذويهم كل الفرحة والغِبطة.

وتنقلب المسرات إلى جنازات وتختلط فيها دماء الأكباش بدماء بشرية.

إذن العيد فقد رمزيته، فقد كنهه وبشاشته التي ألفناها فيه كلما أقبل علينا في سنوات خلت.

فبقدر ما هو سار لفئة، فهو موجع لفئة أخرى.

وعلى إيقاعات العيد وتلاوينه، ومع أفراحه وأتراحه تنحر الأكباش، وتنتحر معها أحيانا نفوسا بشرية.

فقد يباغتني أحدكم بسؤاله لما الخلط بين النحر والانتحار، فلا عيب عندي في التوقف هنيهة للتفصيل ولو بشكل مُقتضب فأقول:” فبينما يستعد البعض لإحياء وتخليد هذه المناسبة في أجواء ملائمة، تميزها الفرحة والتلاحم الأسري، والأجواء الحميمية، وفي ظروف خالية من كل ما من شأنه أن يعكر صفوها، يعيش الآخرون على وقع صدمات لم تكن في الحسبان،إذ يُفاجأ أهالي الغائبين وهم في شوق لاحتضانهم بخبر ينزل عليهم كالصاعقة.

إن الغائبين عنهم لردح من الزمن قد أضحوا في عداد الأموات،أو أحياء أموات، وقلة قليلة من يُحالفها الحظ فتنجوا، فبدل أن يعزفوا في هذا العيد على أوتار الفرح يعزِفون موسيقى الحُزْن والألم والحسْرة.

لقد أُزهقت أرواح بشرية، بفعل السرعة الجنونية، ضاعت فلذات أكباد بفعل الحماقات الإنسانية، وضاعت و ضاعت…

إذن في خضم الاستعدادات لإحياء هذه المناسبة،تقع أشياء كثيرة تُنسي البعض حلاوة هذه المناسبة لتتحول جمالية لحظاتها إلى مرارة وشجن، فهناك من يذهب لاقتناء الأضحية فيعود خاوي الوفاض،لأن ثمنها قد سُلِبَ منه.

فكما هو معروف في مثل هاته المناسبات تنشط عمليات السطو، ويجد الهواة من محترفي الجيوب ضالتهم، فيشقون جيب هذا، ويسرقون أُضحية ذاك، فتتحول السوق إلى أسواق، وتعم الفوضى، ويختلط الحابل بالنابل، والطالح بالصالح، ووسط هذه الموجة الغريبة التي يعرفها العيد، يعيش الناس إيقاعات متباينة.

وكأن العيد طوفان،أو لربما هو بركان خامد يستعيد في العيد نشاطه وحيويته،، فيحرق بحممه ولظاه المحرقة بعض الفئات من مُجتمعنا التي عانت من ارتفاع الأسعار، ومن ويلات لا حصر لها ، ومن خضات اجتماعية كثيرة.

أطباق العيد ليست دائما لذيذة قد تعتريها أحيانا المرارة، فتفقدها لذتها ونكهتها المتميزة والمتفردة.

العيد وحركة السير:

يقترب العيد ويرتفع إيقاع حركة السير، فعائلات تتجه من القرى إلى المدن، وأخرى تقصد ذويها في مدن مُجاورة،أو بعيدة وذلك للطابع المائز لهذه المناسبة الخاصة، ونظرا للحالات الاستثنائية يرتفع عدد المسافرين، وتشتد حركة السير في المجال الحضري والقروي، مما قد يؤدي أحيانا إلى حوادث سير مأساوية يذهب ضحيتها الكثيرون، فتتحول بهجة اللقاء بالأهل والأحباب إلى جنازة وتعم القلوب مشاعر الحسرة والأسى بفقدان الأحبة، فتغدو أصداء العيد أصداء ممزوجة بالعتمة والحزن.

كما أن بعض شركات النقل تستغل مثل هذه المناسبات لتكوي المواطن الذي لا حول ولا قوة له بتسعيرات النقل الملتهبة،حيث يتضاعف ثمن التذاكر عن الأيام العادية، ويصبح المواطن أمام هذا الغلاء مُحتارا،خصوصا وأن متطلبات المناسبة لا حصر لها ..فيعيش في شتات لا نظير له.

العيد و الأسواق:

باقتراب هذه المناسبة تزدان الأسواق بحلة جديدة، وتتنوع تشكيلاتها وتختلط وتمتزج فيها الأصوات، وكأن الناس لا تستهلك إلا في العيد.

إذن في هذه المناسبة تتناغم وتتشكل المعروضات والمنتوجات ، ويُقْبِلُ الناس على التبضع بكيفية تختلف عن الأيام العادية، فلربما العيد هذا الزائر الذي يستثقله البعض، ويستحسنه البعض الآخر،يحتم على البعض التسوق بشكل غير عادي وكأنه يعيش على وقع الخوف من نفاذ البضاعة من السوق، أو يحتمل أن تكون السنة كلها قحط و جفاف ،مع أن ديننا الحنيف ينهى عن التقتير والتبذير،إذن فشتان بين تعاليم ديننا السمح، وتصرفات وطبائع البعض من الناس، فالغالبية تسعى إلى أن تجعل من موائد العيد موائد متناغمة، وكأنها لوحات فنية زاخرة بشتى الألوان لتعكس من خلالها بذخها وتميز أذواقها.

العيد والأطفال:

يأتي العيد ويَحَارُ الآباء في إرضاء الأطراف، فهل يرضي الزوج الزوجة بشراء كبش يُناسب تطلعاتها،أم يُرْضي الأطفال بمتطلباتهم من ملابس جديدة وما إلى ذلك…

يتحول الزوج المسكين إلى كرة تتقاذفها الأقدام،أقدام الزوجة من جهة، وأقدام الأطفال من جهة أخرى، وما بين الطرفين يتحول هذا الأخير إلى لعبة، فيعيش المأساة عوضاَّ عن الفرحة؟.

العيد تشكيلات،ألوان،أحزان وأتراح.

وكما أسلفت فهناك من يقضي لُحَيْظات العيد التي تنقضي بسرعة، وكأننا في سباق محموم مع الوقت في المستشفيات، فلا يتحسس نكهة العيد تلك، بل يغرق في الجراح التي ألمت به دونما تحسب، خصوصا بعدما أصبح طريح الفراش يصارع سكنات الموت.

وياليتاه موتا عاديا، بل هو موت قادته إليه حماقات بعضهم بغتة، نتيجة حرب الطرقات القاتلة، فبعدما كان يتمتع بكامل صحته،أصبح في عداد الأموات الأحياء ( الإعاقة،التشوهات…).

إذن العيد الذي كان نحرا طيبا تحول إلى انتحار، وأي نحر مع كل هاته المآسي، فهو غدا أشكال وتشكيلات، للبعض فرحة وللآخر ون مأساة.

- (( بني جلدتي تريثوا لا تأخذوا العيد بكل تهور وحماقة وتسرع،لا تحولوا حياتكم إلى مأساة ، فديننا الحنيف بعيد كل البعد عن كل هاته التمظهرات والتجليات التي أصبحت مستشرية في أوساطنا الاجتماعية، والتي لا تمت إليه بأية صلة.

فبدع كلها تلك الحماقات التي تجعل الناس يعيشون في سباق مع الوقت بقصد توفير الأُضْحية ،وحماقة أكبر أن نضطر إلى سلوكات خرقاء تُفْقِدُ العيد حلاوته وبهجته…)).



نحر أم انتحار

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire