mercredi 23 octobre 2013

أزمة النظام وإرادة التغيير.

“هناك ساعة حرجة يبلغ فيها الباطل ذروة قوته، ويبلغ الحق فيها أقصى محنته، والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول”، الشيخ محمد الغزالي رحمه الله


إذا كان النظام يحاكم اليوم الأخ علي أنوزلا في إطار قانون مكافحة الإرهاب، ووجه له قاضي التحقيق اتهامات خطيرة، فإننا نعتقد بأن النظام هو من يمارس إرهاب الدولة ضد من يعارض استبداده وفساده، ويحاكم، عبر قضية السيد أنوزلا، كل من يعارض سياساته واستهتاره بمستقبل الدولة والسلم الاجتماعي، من داخل وخارج الوطن.


وتعرف الموسوعة البريطانية إرهاب الدولة بأنه “إرهاب المؤسسات، وكثيرا ما يسمى بإرهاب الدولة أو الإرهاب الذي ترعاه الدولة، بأنه يشير إلى العمل من قبل الحكومات أو أكثر غالبا من قبل الفصائل داخل الحكومات، ضد مواطني تلك الحكومة ممن هم ضد هذه الفصائل داخل الحكومة، أو ضد مجموعات أو حكومات أجنبية”.


هذا ما ينطبق على قضية السيد علي وعلى كل مناضل يدعو للتغيير السلمي ببلادنا. هناك أسئلة نطرحها بقوة لتعرية سياسات النظام القاتلة أمام الرأي العام الوطني والدولي. لماذا يحاكم السيد علي أنوزلا اليوم وفي أي إطار، قانوني أم سياسي، ولأجل أي أهداف؟


لنبتعد مليا عن التهم التي وجهتها سلطات النظام للسيد أنوزلا ونقترب شيئا ما من التفاصيل، لأن لعبة النظام تكمن دائما في التفاصيل وفي المفاوضات السرية التي يجريها مع القوى السياسية المستعدة لخدمة أهدافه، ونوسع دائرة النظر والتحليل، وهي تهم لا تعوز الحكم ببلادنا، ذلك لأنه يراقبنا عن قرب، ولأن تاريخه قائم على اتهام معارضيه وازدرائهم وتخوينهم فقط لأنهم يعارضون سياساته الاستبدادية والمفسدة ويكشفون عن وجهه اللاإنساني أمام الرأي العام الوطني، كما وقع مؤخرا في قضية العفو الملكي عن مغتصب الطفولة المغربية.


إن صوتنا وكلمتنا وموقفنا يفضح قبحه وتجاوزاته، لذلك يتخذ النظام أقصر الطرق وأبشعها بسبب عجزه عن الحوار والاحتكام إلى إرادة الشعب، وإن محاولته اليائسة لإخراسنا وقمعنا عبر أجهزة ومؤسسات الدولة التي احتجزها عنده حتى عطل مهامها الأساسية في أن تكون في خدمة الحق والعدل وأمن المواطن. هذا هو أسلوبه مع أي قوة عارضته على مدى تاريخه، مع العلماء والضباط والساسة والكتاب والتجار الوطنيين الشرفاء.


لقد خدع النظام الكثير منا بعملية غسل دماغ جماعية التي قام بها فيما يسمى بـ “هيئة الإنصاف والمصالحة”، وزعم بألا تتكرر مأساة سنوات الجمر، ثم تكررت بأساليب أكثر خبثا ومراوغة، ولم ينتبه أحد إلى أن الجناة كانوا وراء الستار يرقصون على جراحنا ويضحكون من سذاجتنا. للأسف، لم نعمل على انتزاع أي تنازل من النظام وهو في قمة أزمته آنذاك. لقد تعامل النظام معنا باحتقار حينما عوضنا من مالنا العام بدراهم معدودة على أرواح شهدائنا ومختطفينا ومغتصبينا، وعلى عذابات ثكلانا وأيتامنا. إنه ينتقم منا اليوم بسبب وعينا المتقد وصمودنا في وجهه ورفضنا الانخراط في لعبته السياسية العبثية الفاسدة.


يحاكم الأخ علي، صاحب قلم الرصاص الحي، ومن خلاله يحاكم كل من وجد في موقع “لكم” باللغتين العربية والفرنسية، من كتاب رأي وفريق عمل الموقع ومعارضي سياسات النظام، فضاء واسعا ورحبا يتعالى على الاختلاف في وجهات النظر والمرجعيات الفكرية والأيديولوجية، يحاكمون ويتربص بهم النظام جميعا لأنهم يوجعون مجتمع الفساد والاستبداد ويقضون مضجعه، خاصة دائرة القصر ومن حولها من أحزاب فاسدة ورجال أعمال وأسر اقتصاد الريع، الذين استفادوا من الاستعمار والاستقلال، يحاكمون جميعهم بسبب جرأتهم السياسية ومواقفهم الصارمة وخطهم النضالي الثابت ومواصلتهم لهذا النهج الرفيع رغم التهديدات والرسائل المشفرة التي يتوصلون بها من النظام، من محاكمات سياسية مفتعلة وحملات دعائية مغرضة وقوائم اعتقال ومتابعات قضائية أعدتها الأجهزة الأمنية لما بعد اعتقال السيد أنوزلا.


علينا ألا نخلط بين الوسيلة والهدف، لأن الآلية الحقوقية، رغم أهميتها، هي وسيلة ولن ترغم النظام على الرضوخ لإرادة المناضلين دون مقابل، ولا أقول الشعب، لأنه أفلح، مؤقتا، في تحييد الشعب عن الصراع، بعد أن أجهض تجربة حركة 20 فبراير. لقد اكتسب النظام خبرة ومناعة في التعامل مع المطالب الحقوقية.


إن الوسيلة للضغط على النظام من أجل حرية وكرامة الأخ علي هي الاستمرار في تدويل قضيته على أوسع نطاق، وتحسيس الرأي العام الدولي بعدالة قضيتنا وبحقنا في التغيير السياسي ببلادنا، وطرح مشروعنا المجتمعي على كل الجهات وطنيا ودوليا، وأن ننطلق من قضية الأخ علي، لنعري اليوم وبصفة نهائية هذا النظام الاستبدادي المنتهك لأبسط مبادئ حقوق الإنسان، من بينها الحق في الاختلاف السياسي وحرية التعبير بالرأي والكلمة.


ومن الوسائل أيضا الذهاب بعيدا في مواجهة ظلم النظام بإعادة النقاش إلى أصله، وهو النضال من أجل التغيير السياسي الحقيقي، وعدم الوقوع في متاهاته وتكتيكاته. إن مشكلتنا مع هذا النظام هي في الأصول وليست في الفروع، في أصل الحكم وطريقته وبنيته ورجالاته، إنه اختلاف بين وجهتي نظر حول طبيعة النظام الذي نريد وحول المجتمع والوطن الذي نعمل على تأسيسه، نحن ندفع في اتجاه المستقبل والنظام يجرنا نحو الخلف وأساليب حكم عفا عنها الزمن واستنفذت مقومات الاستمرار والوجود. إن شرعيتنا اليوم أقوى من شرعيته المتآكلة بسبب ظلمه وجبروته.


لماذا علينا أن نجر النظام إلى الساحة الدولية؟ علينا القيام بذلك لأن التدويل يشكل “كعب أخيل” لنظام يعتمد في تماسكه وخداعه على العواصم الغربية الحليفة وليس على الرأي العام الوطني، ونحن نعول كثيرا على الجبهتين، الرأي العام الوطني والأوساط الدولية، حكومية ومنظمات المجتمع المدني الدولي، لفضح سياساته القمعية وإسقاط القناع عن وجهه الحقيقي.


على جميع المناضلين الأحرار الذي هبوا اليوم للدفاع عن الأخ علي، واحد من رموز النخوة المغربية والكلمة الحرة والمسؤولة في زمن الانبطاح والتجارة في الأعراض السياسية والأخلاقية، من داخل الوطن وخارجه، وهم بذلك يدافعون عن مستقبل وطننا وشعبنا ودولتنا، عليهم أن يعلموا بأنه قد تبين للنظام وللعالم على حد سواء ماذا يمكن أن نحقق من أجل التغيير كلما توحدت جهودنا رغم الاختلافات المرجعية، علينا أن نجعل من قضية الأخ علي قضية مفصلية في مشروع التغيير السياسي الحقيقي والشامل، وألا نعطي للنظام فرصة أخرى تمدد في عمر استبداده.


لقد مرت على النظام أزمات، على الأقل منذ انطلاق الحراك الاجتماعي الذي أرخ لميلاد مغرب جديد ومغاربة جدد مع حركة 20 فبراير، وبسبب سذاجة بعضنا وأنانية البعض الآخر وحسابات الربح والخسارة في بازار السياسة الخبيثة، كما هو شأن تجار حقوق الإنسان وباعة الأحزاب المتجولين والمنابر الإعلامية المأجورة، أفلت النظام بجلده، لكن طبيعته وترددنا تدفعانه لإعادة الكرة مرة أخرى لعله، حسب ظنه، يخضعنا لمزاجيته وسلطته القهرية.


إن لحظة الاعتداء على حرية الأخ علي، هي لحظة سياسية بامتياز وعلينا أن نظهر للرأي العام الوطني وللعالم مدى شعورنا بمسؤولية الموقف وإحساسنا بأمانة الدور الملقى علينا لإنقاذ بلادنا من الهوة السحيقة التي يدفع النظام بلادنا نحوها. يجب ألا نعطي للمسألة الحقوقية في قضية الأخ علي مساحة أكبر من قضية التغيير السياسي، وسيكتب التاريخ بأن اعتقال الأخ علي ومحنته وتضحيته بحريته قد أعطانا نفسا وأملا جديدا، بعد تجربة 20 فبراير، وفتح أفق واضح نحو التغيير ووضع النظام في مسار الاندحار والأفول النهائي.


عندما تصل الأزمة إلى حافة الدمار، كما هو الشأن اليوم مع أزمة النظام العامة ببلادنا، تنطلق إرادة التغيير. وقد كان التعبير الأول عن هذه الإرادة يوم 20 فبراير 2011، حينما نزلت حركة تمثل طبقات المجتمع المدني والسياسي إلى ساحات المدن والقرى وقالت “لا” لنظام فوق الدستور والمؤسسات والقانون، و”لا” لنظام يفقر شعبنا ليكون غنيا لحد الافتراس، و”لا” لنظام يغازل الغرب بشعارات الإصلاح الفارغة والنموذج الاستثنائي فيما يقمع المناضلين الشرفاء الذين ضاقوا ذرعا من استبداده وفساده، وها هو التعبير الثاني عن إرادة التغيير تنطلق يوم 17 سبتمبر 2013 على إثر الاعتقال السياسي الظالم للصحفي الأخ علي، فانتفضت الأصوات والأقلام والمواقف الحرة في داخل وخارج الوطن، وساندتها منظمات عالمية في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير عبر وسائل الإعلام، وأدانتها جهات حكومية ودولية.


يجب ألا نجعل ساحة نضالنا داخل مؤسسات الدولة المتحكم فيها من قبل النظام وأحزابه ورجالاته، كما نشاهد اليوم مأزق وعجز حكومة بنكيران في تحقيق أدنى اختراق لجدار النظام رغم الدعم الشعبي الذي حصلت عليه في انتخابات نوفمبر 2011، ولا عبر لعبة “الباب الدوار” كما هي الانتخابات المزورة لإرادة الشعب والمتحكم فيها بالمال والسلطة، وإنما عبر ساحات التحرير حيث سقط رموز الفساد والاستبداد في تونس ومصر وليبيا، وتصنع القيادات البديلة، وتفرز الطاقات الجديدة والمواقف الوطنية عن غيرها، وحيث يميز الخبيث من الطيب في معركة الإرادة والمصداقية، وعبر الآليات المختلفة للتعبير وإدارة الصراع، من بينها الشارع والجماهير والنخب، آليات استعملتها شعوب ناضلت ضد الديكتاتوريات في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وفي بلدان الوطن العربي الجديد وأسقطت أنظمة الفساد والظلم.


يمر النظام الآن، ومن جديد، بأزمة عميقة مست بنيته وصورته في الداخل والخارج، بعد سلسلة أزمات مميتة، ويبحث عن مخرج لتورطه في قضية اعتقال الأخ علي بعد أزمة مغتصب الطفولة المغربية، وتخبطه السياسي وسوء تدبيره لملفات حيوية، وغياب دبلوماسية وطنية فاعلة في العلاقات الدولية، واحتقان اجتماعي وانسداد الأفق أمام المواطن وفقدانه الثقة في كل شيء، وفي ظل أزمة سياسية انتهت، للأسف، بتعيين حكومة ذات أغلبية مخزنية لم نشهد مثيلا لها حتى في أوج القبضة الحديدية في عهد الحسن الثاني.


لقد حصل النظام على حصة الأسد في الحكومة المخزنية الجديدة، 22 وزيرا “مستقلا” ومتحزبا محسوبين عليه من بين 39 وزيرا، مما يجعلنا نتساءل: أين ثورة صناديق الاقتراع وأين التنزيل الديمقراطي للدستور الممنوح الذي يتبجح به حزب العدالة والتنمية؟


في ظل كل هذه العوامل المؤشرة على انزلاق النظام والوضع الاجتماعي والاقتصادي نحو الهاوية لا يجوز شرعا ولا عقلا ولا سياسيا أن نمد له، مرة أخرى، طوق النجاة، بل عليه أن يدفع ثمن عناده واستعلائه ورفضه لتغيير حقيقي يؤسس لنظام سياسي ديمقراطي قائم على دولة المؤسسات والقانون وليس على دولة الفرد.



أزمة النظام وإرادة التغيير.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire