mardi 4 juin 2013

معالي الوزير سلام تام بوجود مولانا الإمام

أما بعد ….


هي بضع رسائل مفهومة ، إلى كل السادة ، وزراء الحكومة ،من شاب مغربي عاش تحت جلباب أبيه الذي لم يبق منه غير الذكرى ،بعدما أتعبته الأرض حيا ورفتت عظامه ميتا، ما أرهقه شيئا كما أرهقته الدولة بتعقيداتها ،كان التراب معشوقه ،يسعد به كلما اهتز وربى و الطل يصيبه و الوابل يحييه فيبدي أجمل أوراق شجره الخضراء و الين أغصانه الرؤود .

معنى جلباب أبي في قاموسي الخاص انه رباني وعلمني و كلفني بإدارة بعض أملاكه انقادا لي من آفة البطالة و التسكع ،عبثا حاولت الهروب من قبل و العقد تتشابك أشواكها فاتكة بسكينتي،كم مرة استعطفته ليسهل رحيلي إلى أوروبا ،وككل مرة، كان يتلاشى استعطافي له تحت وقع قراره الصارم، مهما ألححت ،كان يقول لي :


سأحارب بكل ما أوتيت من قوة لمنعك، الخبز و الشاي في وطنك أفضل من عمل شاق مذل بالمهجر،تكفي تضحية واحد من العائلة …. إن كان لابد منها، تضحيات الكل هلاك ما بعده هلاك ،لن تفهم قولي في سنك المبكر هذا ،عند الكبر ستقول حتما، يرحم الله ابي .


تلك كانت أقوال مهاجر راقصت أفكاره أحلاما وردية لم تجد لها ربيعا تزهر فيه واقعا متميزا،أقوال خالجت الخلد فتدفقت إحساسا سجي البصر و البصيرة بغشاوات الرغبات ، كانت الاتجاهات عندنا متناقضة أيما تناقض ،كل اتجاه يؤججه إحساس معين و يسعر ناره،هو يرى المغرب من أوروبا و أنا من تازة أرى باريز،هو يحن من بعيد إلى وطن مفتقد لم يجد له في البقاع النائية بديلا،وأنا من عمق البطالة و ما ولدت من فوبيات ارى الحل رحيلا، كرهت كلامه في البداية، كأني لمست فيه حسدا او غباء اوجهلا مقيتا ، كادت الكراهية تتسلل إلى حبل العلاقة التي جمعتني به منذ ولادتي لتمزقه، لولا انه استطاع بسرد معاناته مع المستعمر الفرنسي وأزلامه من الخونة تحويل الكره إلى حب تمخض عنه تعاطفي الكامل معه،أراني معدنه الطيب الأصيل فرايته ـ رغم بساطته ـ وسط الناس عظيما .. لشدة ما عشق هذا الوطن الذي ظلم فيه من المهد إلى اللحد تمسك بالأمل،زهرة أحلامه التي هونت عليه الصعاب و قزمت حجم الإكراهات أمامه ،ليبدع في العشق والحلم.


أضفى على الطبيعة المحيطة به من نور عشقه ما تضفيه الأشعة من إشراق على الوجود ،كنت أرى الأرض في حياته غير الأرض ،و الشجر غير الشجر، و الحياة باقة زهر ترويها زخات الشعور. أدركت بعد وفاته حقيقة ذلك العشق،أدركت أنوثة الطبيعة وورعها حينما تلين بفضل الله له،إلى أن أفل نجمه تاركا مكانه لمساحة سوداء قاتمة. افتقدت في غيابه ذلك النور و ذلك السحر ومعان شتى تستعصي على الوصف،عبثا حاولت كسر المقولة المتداولة بان الرزق يتبع صاحبه لفرض الاستمرارية، لكن الظروف كانت أعتى من المحاولات كلها.


يختار الله من عباده و يصطفي ما شاء لما شاء من مهام، ربما كان هذا الالتزام تشريفا بفتح الله بصيرته وهرمونات الحب تضخ في دواخله بما يكفى لنماء إحساس يقاوم به جور الأغبياء من هذا الشعب العظيم،ترى فعله يخالف الكلام النابع من خيبته وهو يعيش بين نارين ،نار الظلم ،و لوعة الحب،على قدر كن او لا تكون ،تضحي من اجل من تحب،في نفس الآن ،تعاني من براثنه تخترق عظام صدرك غدرا لتعبث بقلبك المنهك ، يكفي أن اكشف لمعاليكم..سيدي الوزير،عن حدث و أنا معه عند رجال درك تايناست،كانت التهمة باطلا انصهرت في بوتقتها رغبات الانتقام : رغبة سيدة اقلق راحتها شراءه الأرض التي كانت فيها على البسطاء أميرة،رغبة قائد لم يتقبل من المرحوم نصيحة \و هو حديث العهد بالتسيير\،لأول مرة سمعت أبي يتكلم عن ندمه وهو يقول رحمه الله :


لم يكن علي تسمية أبنائي بأسماء عربية بالمرة، كان علي تسميتهم بجون و جولي و لويز او البير .كان علي ترحيلهم وفق قول الرسول الكريم في حديثه عن ارض الظلم ووجوب هجرها …. على الأقل ..في فرنسا الانتقام نذالة، و الكبار يترفعون عن النواقص.


استسلم للحظات صمت ثم أضاف : كم كنا أغبياء …أغبياء لما عرضنا حياتنا للهلاك من اجل … .


ابتلع مرارته فسبح ربه العظيم و استغفره،هو حسبه بعدما تقطعت به السبل وسط متاهات الحيف و الجور، كان يحاوره بعد صدمته في جيل ظن نفسه قاوم من اجله ،جيل ما جاع ولا سمع فرقعات القنابل على البيوت الهشة، جيل ما رأى دماء الأهل تخضب أقران الدوم و عقله. اعتصر الغبن دواخله ،أستعبر لما ذكر تضحياته الجسام ، تحلب الدمع في مآقيه ثم انهمر فعانق تجاعيد خده الشاحب ،قاوم في عنف، لا يدري وجهته أو مستقره الأخير.لأول مرة رأيت أبي يبكي،لاول مرة رايته يغرق في بحر دموعه ،في غور السلبيات القاتلة، اختلطت كل المعاني في لحظة ثقيلة ثقل الرصاص،الم ،هم،غم ،ندم، استرسل قائلا ،أو بالأحرى هامسا،كأنه يقتلع الكلمات من شغاف مثقوبة.


و الله كنا أغبياء ….لقد انصفنا من رفعنا في وجوههم السلاح أكثر من بني جلدتنا ، على الأقل اشتغلت عندهم براتب محترم ختمت مدته أوسمة من ذهب و فضة،و لما عدنا إلى الأرض التي سكنت أضلعنا، هانحن سجناء و التهمة : بناء الوطن … كيف تحب وطنا لا حق لك فيه … يحرمك حتى اجر الصدقة الجارية .


كان الوزراء يأتون إلينا في المهجر كأننا نحن الغرباء وهم أصحاب الأرض، يحدثوننا عن وطن أكلنا بقله وعسقله و ترابه في سنوات الجوع، زمن من اجله استحملت خدودنا صفعات المستعمر ، يأتينا فاعل جمعوي أو وزير من بعد،ابن الستينيات او السبعينيات من قرن مضى،يحدثنا عن وطن نحن حررناه،يحسب نفسه نبها يعرف كيف تؤكل الأكتاف، يطلب منا الاستثمار فيه،قالوا لنا ونحن في الغربة أن الدستور تغير، وان الدولة تحلت بالديمقراطية، ها أنا اليوم انتظر ردا على طلب ،في كل مرة، يٍِرفع في وجهك فعل انتظر ، ها أنا مكبل و التهمة من نسج الخيال، انتظر ..من رب السماوات و الارض نصرا.


لم أكن اعلم وقتها تفاصيل التهمة،ظننته ضربا او اعتداء على عقار الغير في قرية كل التهم فيها تنحصر في أتفه الأمور ،أدركت عند وصولي إلى المحكمة الابتدائية بتازة أنني و أبي متهمان بمحاولة اغتصاب امرأة مسنة ،ابن في الثلاثين من عمره و أب في الستين يتفقان على اغتصاب امرأة ،في دولة إسلامية،الجريمة على مرمى حجر من البيت الذي تسكنه العائلة ،المسافة الفاصلة بيننا و الفضيحة بضع أمتار، انتظرنا شهرا من التحقيق، اخلي سبيله بنطق الحكم، براءة،كلمة تناثرت مقاطع حروفها الصوتية وسط القاعة فأسكنت أمواج الترقب و القلق ،جاء دور المحامي المكلف بالدفاع ليكذب،هو بدوره ردد نفس الفعل ،كان الكل مولع بفعل انتظر … مفتون بترديده … انتظر

انتظر…


لقد استغلت السيدة المغتصبة افتراضيا حقها في النقض و الإبرام،انتظر يا عمر فأنت رجل مولود للانتظار،وانتظر ابي في سذاجة تلميذ يحترم أستاذه المبجل ، لم يسال عن ملف رقد في ردهات محكمة الاستئناف سنينا إلى أن ضحك الأهل من قوله لطول انتظاره، .


كم طال الانتظار بنا في هذا الوطن و تعدد حتى اعتقدناه صار للحياة مرادفا لغويا جديدا، انتظر إشعارا من المجلس الأعلى ،انتظر إشعارا من المحافظة،انتظر تغييرا في القوانين، انتظر حركة تبعد عن الإدارة التي تهمك موظفا فاسدا تلاعب بأوراق ملفك سنينا. انتظر وعيا يرقى بالدولة، انتظر ثقافة تغسل الأدمغة ، انتظر إيمانا تلين به القلوب،انتظر حبا ينسج العلاقات،انتظر زهرا ينبت بأرض الصحراء….أصبح أبي في الانتظار شخصية عظيمة ،رغم أميته،رغم جهله بمؤلفات صاموئيل بيكيت، رغم انه لم يقرا مسرحيته الشهيرة في انتظار عودة جودو..استسلم لسحر الانتظار ، وكان في الانتظار ايوب لا فلاديمير ،صبر عقدين في حلكة الانتظار ،سنين ضيعها مع المحكمة ليكتشف الظلم و الزور والخيانة،صبر عقدين مع المحافظة ليكتشف قصة ملفه العجيب، المسجل تحت رقم 27408 ف .


ملحوظة :


مادة الرسائل التي عقدت العزم على نشرها في صفحتم الغراء من نسج الحقيقة و ليس للخيال فيها سوى ما للأصباغ من فضل على الوجه الجميل .

مسرحية في انتظار عودة جودوت Waiting for godot لصامويل بيكيت مسرحية باربع شخصيات ظل فلاديمير و صاحبه استرادون ينتظران تحت شجرة عودة جودو ثم ياتي لوكي و بوزو ليخبراهما انه لن يحظر ، كان احدهما اعمى و الاخر اصم و كان الخبر صدمة للمنتظران .


سعيد عبد النابي



معالي الوزير سلام تام بوجود مولانا الإمام

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire