dimanche 23 juin 2013

قصة الهكتار... معالي وزير الاستثمار

السنة الثمانون.. بعد الألف ….و التسع مئة ، سنة انصاع فيها أبي لرغبة القائد عبد السلام بعد سيل من النصائح تلت وابلا من التعنيف أيام الاستعمار في قصة مثيرة احتفظ بها لمقال آخر ، بمجرد علم هذا الأخير بعمله عند الأجانب في معمل لصناعة البارود بضواحي مدينة وجدة ،قال له : (اثبت واصبر ،لن تندم …سيكون لك معهم شانا عظيما).


و بالفعل كان الأمر كما قال ، ضغطت النقابة في عهد الحكومة الثامنة على الباطرونا فأجبرتها على نقل أبي ومن معه إلى فرنسا معززين، رغم ما تكبده أصحاب المشروع من خسائر و المغاربة يصنعون العتاد نهارا ثم يهربونه ليلا لمساعدة الأشقاء الجزائريين في جيش التحرير ،يومها كانت لنا وحدة في الرؤية، كان لنا جيشين لنفس الهدف … التحرير … كنا يومها أشقاء ، من كان من آباءنا يجرؤ على الظن في غدر الزمن،أو كان يتساءل في احتمال تحول الأشقاء إلى أشقياء….


نصائح القائد لأبي لم تنقطع ،رغم أن بطشه بالعباد كان سبب هجره القرية هاربا إلى الشرق ، باحثا عن عمل في أراض مغربية جزائرية تحت يد المستعمر الفرنسي ـ أراضي الكولون ـ . كان السيد القائد يصيب في تحليله للأمور ككل مرة، رغم جهله الفظيع ،وكان أبي يخسر، بتردده، الشيء الكثير.


آخر نصيحة نبس بحروفها و قد الزمه المرض السرير كانت: خد الأرض من عرق واحد … إن تأخرت… أتعبتك من بعدي العروق…


اختار أبي من الأرض عرصة مغروسة بأشجار الزيتون ، حددت مساحتها في هكتارين، ما إن حازها حتى توفي القائد لتصدق رؤيته كالعادة ويكسر الشياع كل الأحلام، خلف الموروث (العرق الواحد ) حوالي مئة وريث (العروق ) احتدم الصراع بين الجيران على استغلال حقوق الغير بالترامي على أملاكهم .


بعد الحيازة للتصرف قدم الوالد طلبا إلى السيد المحافظ ،كان الغرض منه تحديد مساحة العقار و فصله عن أصله العقار الأم ، كان للوالد شريكا بمثابة أخ ،حل المهندس بعين المكان ليرفع أول تقرير له للإدارة، ترجل عن السيارة متوجها إلى العرصة ،وسط شجر الزيتون وتحت ظلاله سال عن الزيت والعسل ، أجابه الشريك بوفرته ،من يومها غاب اثر المهندس وغابت معه أوراق الملف .


كان أبي كلما عاد من فرنسا يسألني عن مصير الطلب فأجيبه بالنفي كالعادة ،ثم يأتي شهر الإجازة على آخر أيامه ليجبره على الرحيل في الاتجاه المعاكس ،ثم يكرر وصيته المعهودة بمتابعة الملف و الحسم فيه .. لولا شرود المهندس الذي كان له رأيا أخرا ،كان الزيت خمر ثمل بكؤوسها فأبدع في الضحك ،خط على الورق رسما ندح العقار فيه عن الهكتارين واتسع،أوهم الشريك بزيادة مهمة،ربما كانت الزيادة هبة منه له على كرمه أو كانت عفة منه أجبرته على تحليل ما حرم الله فلا يقبل مال غيره إلا بمقابل..


الحمد لله الذي اسكن أجدادي جبال مقدمة الريف ،لو كانوا من ساكنة مدينة شاطئية لباعهم المحيط الأطلسي وتلالات أحلامهم كبوراق نجم يرون من تحت ضياءها الجزر وشباك الصيد وغيد المالديف ،أخفى المهندس أوراق الملف في مكان آمن حتى تنطلي الحيلة على الشريك المغفل، عبثا سالت عنه ـ الملف ـ فلم أجد لأوراقه أثرا ، سالت عنه في التسعينيات مرتين ، أعدت الكرة في بداية العقد الأول من الألفية الثانية ـ دون جدوى ، طلبوا مني تجديد الطلب مرات، في كل مرة أهان،ألام ،توجه لي تهم التقصير واللامبالاة، إلى أن طفح الكيل وفاض الكأس فقررت زيارتهم كل صباح .


كل صباح أتوجه إلى مملكة السيد المحافظ لأكرر نفس الطلب ،لي ملف من سنة 1980 لم ينجز بعد ,يرد الموظف : يستحيل .


يذكرني بجملة كانت تتردد في إشهار إحدى الشامبوهات في السيعينيات من القرن الماضي: يستحيل تقليد فلي فلاب بالبيض ، إذا كان الفساد واقعا كيف يستحيل أثره،ا يستحيل تجنب النتانة التي تزكم الأنوف دون حذف أسبابها، لا شيء يستحيل.


مرة قلت لمهندس استغرب حقيقة الملف الظاهرة: ان القصة لتلهمني ،حقيقة ، إن طال بي الأمد واغتنيت ،كتبتها رواية أحورها إلى سيناريو فيلم أنتجه ،أخرجه ،اضرب بعده عن الكلام واعتصم متنازلا على بطاقتي الوطنية لأهيم بعيدا،لان الصورة غير القلم،ان لامست أسوء ما في القضية زج بي حتما إلى سواد التحقيقات .


أدركت أني بالغت في اختيار الكلمة مسيئا التصرف معه، حاولت التوضيح ،احمرت وجنتاي وأنا آخذه بذنب غيره، خجلت من نفسي استدرجها إلى ظلم غيرها كما ظلمت هي،استدركت الأمر ،أعدت عرض قراري الذي ملك مخيلتي(سآتي عند مطلع كل يوم حتى اظفر بحل، لن احلل ،لن أوضح ،لن افصل، فقط أريد حلا ) .


كبرت في المغامرة بعدما بدأتها قزما،دخلت المحافظة وضيعا لعلمي بطبيعة الموازين ،أنا من جيل رسخت ثقافته في الذهن :أن الشريف يسبقه رنين الهواتف و الوضيع يلاحقه النباح و الفقير يصحبه الصمت الرهيب ،العاصفة التي تتناسل منه تكون إما تهديدا أو تأنيبا أو ضربا وتعنيفا ، في كل الحالات، لن تجد لها بعد كل هذه المحن في سمائي مكانا تنشر فيه غمائمها،أصبحت مستعدا لكل شيء ،كأني ادخل عرين أسد اضواه الجوع . جلست على كرسي انتظر ،هي كراسي مختلفة ، من خشب او رخام ،او حديد لينت الأثواب مقاعدها.في الطابق الأرضي كما في الطابق الأول ،على يمينك مكاتب المحافظة ،على يسارك مكاتب المسح الطوبوغرافي ،في كل مرة يختارون لك اتجاها ، يرسلك الشرق إلى الغرب و يأبى الغرب إلى آن يعكس الوضع ،تماما كما تداول الأيام ،كما يعقب الليل النهار ،اطرق الباب في أدب ، ابدأ السؤال بنفس اللازمة كي أحرجهم ،


ابحث عن ملف تقدم الوالد بطلب في خصوصه منذ سنة 1980


نحن الآن في سنة 2006 ..


كثيرا ما نظر إلي بعض الموظفين مستغربين ،متسائلين ،ربما اعتقدوا أني واحد من أصحاب أهل الكهف وصل هذا الزمن متأخرا، إذ لا يعقل أن يعلق العمل ربع قرن , صرت كدريد لحام على حدود الدولتين ،لا أنا من غربستان و لا أنا من شرقستان ولا أنا وسط هؤلاء الناس إنسانا يستحق الحب و الحنان .


بعد سنين من الضغط منحني السيد المهندس نسخة من الرسم الأولي للقطعة ،بها هكتارين و تسعة عشر آرا .عدت إلى أبي فرحا لأبشره ،قلت :


وجدت الرسم يا أبت،


رد علي :


و الملف ؟


طلبوا مهلة من الزمن … لكني سأحصل عليه …. أينما كان مدفونا ، سننتظر كما قالو ونرى


لكثرة ما رددت على السيد المدير عنواني القريب من الإدارة وما طويت عليه نفسي من عزم، اهتم بأمري، شبهني بشاب يعرف أخاه جيدا،حتى انه سألني عن الحاج كيف هو، سالني للتأكد من نسبي الى عائلة صاحبه حتى لا يضيع الأجر والعناء في خدمة منبوذ اقتلع من ارض الهند ،قلت له الحاج بخير ان شاء الله و الحاجة تقرئك السلام ،قلت له :كم مرة رددت على مسمعك أنني اسكن بجوارك وبذلك أنا زائركم كل صباح دون كلل.


وصل السيد الشاوش على نصف الجملة الأخيرة ،لم يتريث ليسال ثم يفهم صلب الموضوع . قال : اجل سيدي ، هو جارنا و أنا اعرفه ،اطمأن السيد المدير إلي، علت محياه ألوان الفرح ،تأكد أني أخ الحاج وهو في آخر أيامه بالإدارة التازية،توصل بقرار الانتقال فقرر إكرام الحاج بتمكيني من ملفي المقبور ,.قبلها، كان يثور في وجهي كلما كشفت له عمر الملف، 1980 ،أكثر من ربع قرن، يعقب بعصبية كي اخرس، ملفك جاهز منذ 1987 ،لا أريد سماع هذا منك ،


لكنه بعد تأكده من نسبي إلى الحاج، لملم أوراق الملف فأحاله على مكاتب المحافظة ، ولكي لا يكون مقالي نبا فاسق يرفع باطلا يريد به حقا سأقول : ان النسب حفزه على بذل مجهود اكبر .


شاءت العناية الإلهية أن التقي في نفس الكشك ،ليلا،موظفا مسنا جاء من أقصى المدينة العريقة يسعى ،سمعته يسال عن نزل مقبول فقررت خدمته،عرفت من لكنته انه فاسي يعذب حرف الراء،أثارت المحفظة الضخمة في يمينه تطفلي ،سألته عن مهمته وهو يعبر عن تدمره من فراق أهله شهورا ، قال لي أنها رحلة لدعم الموظفين بترتيب الملفات المتراكمة والأوراق المبعثرة،قلت له سبحان الله ،جئت في لحظة قررت فيها الدخول في شبه اعتصام ،لي ملف شاخ في المحافظة لم أجد لأوراقه أثرا،طلب مني رقمه ، خجلت ان اخدمه بمقابل،قلت له باني كلفت احد الأصدقاء الأعزاء به ،آن تعذر عليهم الأمر سالت عنك ان شاء الله .


في الصباح ،احترمت عادتي بعودتي إلى الإدارة كل صباح لاستفز الموظفين ، رأيت نائب السيد المحافظ يحمل ملفا بنفس الرقم


الذي أرهقني ، عليه ختم بأحمر بارز الأرقام ،يلوح من وسطه رقم 2007 ، تاريخ اكتشافه او انبعاثه ، هتفت في وجه السيد


النائب : يااااااا لأول مرة أرى الملف مكتنزا ، بشحمه ولحمه .. كيف حصل ذلك ؟ أشار إلى السنة المسجلة على


غلافه، ترحمت على أباء الرجل المسن و هو ينجح رغم كبر سنه فيما عجز فيه أصدقاء المهندس الفاسد .


أديت كل المصاريف ،الوهمي منها و المنطقي لأظفر بسجل العقار ،لكن الظروف هذه المرة جاءت كما بعض الرياح ، ضد ما

تشتهيه السفن ، تم إحالته على المحكمة الابتدائية لتقرر فيه خبرة، أنجزت، أديت رسوم التنفيذ،عدت الى عادتي القديمة ، تخصيص الصباح لزيارة المكاتب حتى احرجهم ، هذه المرة ازور مكاتب أخرى و انتظر ، إلى حد الساعة انتظر موعد الخروج لوضع الأنصاب , 16\05\2013


ربع قرن لتسجيل هكتار ،هكذا يكون الاست ثمار في دولة تسعى إلى الاستقرار بالازدهار او هكذا يكون الاحتقار حتى يرين على الاستثمار الغبار ….


سعيد عبد النابي



قصة الهكتار... معالي وزير الاستثمار

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire